الظلمات بهم لا يسعهم أن يبصروا طريق الحق فيتخذوه طريقا.
وفي قوله تعالى: (من يشاء الله يضلله) الخ، دلالة على أن هذا الصمم والبكم والوقوع في الظلمات إنما هي رجز وقع عليهم منه تعالى جزاء لتكذيبهم بآيات الله فإن الله سبحانه جعل إضلاله المنسوب إليه من قبيل الجزاء، كما في قوله: (وما يضل به إلا الفاسقين) (البقرة: 26).
فتكذيب آيات الله غير مسبب عن كونهم صما بكما في الظلمات بل الامر بالعكس وعلى هذا فالمراد بالاضلال بحسب الانطباق على المورد هو جعلهم صما بكما في الظلمات والمراد بمن شاء الله ضلاله هم الذين كذبوا بآياته. وبالمقابلة يظهر أن المراد بالجعل على صراط مستقيم هو أن يعطيه سمعا يسمع به فيجيب داعى الله بلسانه ويتبصر بالحق ببصره، وأن هذا جزاء من لا يكذب بآيات الله سبحانه فمن يشإ الله يضلله ولا يشاء إلا إضلال من يستحقه ومن يشأ يجعله على صراط مستقيم ولا يشاء ذلك إلا لمن تعرض لرحمته.
وقد تقدم البحث عن حقيقة معنى ما يصفهم الله تعالى به من الصمم والبكم والعمى وما يشابه ذلك من الصفات، وقد عنى في الآية بنكتة أخرى، وهى ما يفيده الوصل والفصل في قوله: (صم وبكم في الظلمات) حيث ذكر الصمم وهو من أوصافهم ثم ذكر البكم وعطفه عليه وهو صفة ثانية، ثم ذكر كونهم في الظلمات ولم يعطفها وهى صفة ثالثة، وبالجملة وصل بعض الصفات وفصل بعضها، وقد اتى في مثل الآية بحسب المعنى بالفصل أعني قوله في المنافقين: (صم بكم عمى) (البقرة: 18)، وفي آية أخرى يماثلها بالعطف وهى قوله في الكفار: (ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة) (البقرة: 7).
ولعل النكتة في الآية التي نحن فيها أعني قوله: (صم وبكم في الظلمات)، الإشارة إلى كون من هم صم غير الذين هم بكم فالصم هم الجهلاء المقلدون الذين يتبعون كبراءهم فلا يدع لهم ذلك سمعا يسمعون به الدعوة الحقة، والبكم هم العظماء المتبوعون الذين لهم علم بصحة الدعوة إلى التوحيد وبطلان الشرك، غير أنهم لعنادهم وبغيهم بكم