أن نحمل البشرى في هذا الموضع عليه أيضا. فمع ما سيجئ من الكلام عليه في سائر الموارد التي أشار إليها هو في نفسه قياس لا دليل عليه بل الدليل على خلافه فإن الله سبحانه في هذه الآيات لما ذكر البشارة بغلام حليم ثم ذكر قصة الذبح استأنف ثانيا ذكر البشارة بإسحاق ولا يرتاب المتدبر في هذا السياق أن المبشر به ثانيا غير المبشر به أولا فقد بشر إبراهيم عليه السلام قبل إسحاق بولد له آخر وليس إلا إسماعيل، وقد اتفق الرواة والنقلة وأهل التاريخ أن إسماعيل ولد لإبراهيم قبل إسحاق عليهم السلام جميعا.
ومن ذلك التدافع البين فيما تذكره التوراة من أمر إسماعيل فإنها تصرح أن إسماعيل ولد لإبراهيم عليهم السلام قبل أن يولد له إسحاق بما يقرب من أربعة عشر عاما وان إبراهيم عليه السلام طرده وامه هاجر بعد تولد إسحاق لما استهزأ بسارة ثم تسرد قصة إسكانهما الوادي ونفاد الماء الذي حملته هاجر وعطش إسماعيل ثم إراءة الملك إياها الماء، ولا يرتاب الناظر المتدبر في القصة ان إسماعيل كان عندئذ صبيا مرضعا فعليك بالرجوع إليها والتأمل فيها، وهذا هو الذي يوافق المأثور من أخبارنا. 6 - القرآن الكريم يعتنى أبلغ الاعتناء بقصة إبراهيم عليه السلام من جهة نفسه ومن جهة ابنيه الكريمين إسماعيل وإسحاق وذريتهما معا بخلاف ما يتعرض له في التوراة فإنها تقصر الخبر عنه بما يتعلق بإسحاق وشعب إسرائيل، ولا يلتفت إلى إسماعيل إلا ببعض ما يهون أمره ويحقر شأنه، ومع ذلك لا يخلو يسير ما تخبر عنه عن التدافع فتارة تذكر خطاب الله سبحانه لإبراهيم عليه السلام أن نسلك الباقي هومن إسحاق، وتارة أخرى خطابه أن الله بارك لنسلك من عقب إسماعيل وسيجعله أمة كبيرة، وتارة تعرفه إنسانا وحشيا يضاد الناس ويضاده الناس قد نشأ رامي قوس مطرودا عن بيت أبيه، وتارة تذكر ان الله معه.
وبالتأمل فيما تقدم من قصته عليه السلام في القرآن يظهر الجواب عن إشكالين أشكل بهما على الكتاب العزيز.
الاشكال الأول ما ذكره بعض المستشرقين (1) ان القرآن في سوره المكية لا