كالفأرة إذا رأت هرة أو الغزالة إذا شاهدت أسدا فلا معنى للسعادة والشقاوة الاختياريتين في الحيوان غير الانسان.
لكن التأمل في معنى الاختيار والحالات النفسية التي يتوسل بها الانسان إلى إتيان أفعاله الاختيارية يدفع هذه الشبهة وذلك أن الشعور والإرادة الذين يتم بهما فعل الانسان الاختياري بالحقيقة إنما أودعا في الانسان مثلا لأنه نوع شعوري يتصرف في المادة الخارجية للانتفاع بها في بقاء وجوده بتمييز ما ينفعه مما يضره، ولذلك جهزته العناية الإلهية بالشعور والإرادة فهو يميز بشعوره الحي ما يضره مما ينفعه فإذا تحقق النفع أراد ففعل فما كان من الأمور بين النفع ولا يحتاج في الحكم بكونه مما ينتفع به إلى أزيد من وجدانه وحصول العلم به أراده من فوره وفعله وتصرف فيه من غير توقف كما في موارد الملكات الراسخة غالبا مثل التنفس، وأما ما كان من الأمور غير بين النفع موسوما بنقص من الأسباب أو محفوفا بشئ من الموانع الخارجية أو الاعتقادية لم يكف مجرد العلم بتحققه في إرادته وفعله لعدم الجزم بالانتفاع به.
فهذه الأمور هي التي يتوقف الانبعاث إليها إلى التفكر مثلا فيها من جهة ما معها من النواقص والموانع والتروي فيها ليميز بذلك أنما هل هي من قبيل النافع أو الضار؟
فإن أنتج التروي كونها نافعة ظهرت الإرادة متعلقة بها وفعلت كما لو كانت بينه النفع غير محتاجة إلى التروي فيها، وذلك كالانسان الجائع إذا وجد غذاء يمكنه أن يسد به خلة الجوع فربما شك في أمره أنه هل هو غذاء طيب صالح لان يتغذى به أو أنه غير صالح فاسد أو مسموم أو مشتمل على مواد مضرة؟ وأنه هل هو ماله نفسه ولا مانع من التصرف فيه كاحتياج مبرم مستقبل أو صوم ونحوه أو مال غيره ولا يجوز التصرف فيه؟
وحينئذ يتوقف عن المبادرة إلى التصرف فيه، ولا يزال يتروى حتى يقطع بأحد الطرفين فإن حكم بالجواز كان مصداقا لما ينتفع فلا يتوقع بعد ذلك دون أن يريد فيتصرف فيه.
وإن لم يشك في أمره وكان بينا عنده من أول الامر أنه طيب صالح للتغذي أراده إذا علم بوجوده من غير ترو أو تفكر، ولم ينفك العلم به عن إرادة التصرف فيه قطعا.
فمحصل حديث الاختيار أن الانسان إذا لم يتميز عنده بعض الأمور التي يتصرف فيها أنها نافعة أو ضارة ميز ذلك بالتروي والتفكر فاختار أحد الجانبين أو الجوانب ة