وربما قيل: المراد بالسلام هو الله، وداره الجنة، والسياق يأباه وضمائر الجمع في الآية راجعة إلى القوم في قوله: (لقوم يذكرون) - على ما قيل - لأنه أقرب المراجع لرجوعها إليها غير أن التدبر في الآيات يؤيد رجوعها إلى المهتدين بالهداية المذكورة بما أن الكلام فيهم والآيات مسوقة لبيان حسن صنع الله بهم فالوعد الحسن المذكور يجب أن يعود إليهم، وأما القوم المتذكرون فإنما ذكروا ودخلوا في غرض الكلام بالتبع. (كلام في معنى الهداية الإلهية) الهداية بالمعنى الذي نعرفه كيفما اتخذت هي من العناوين التي تعنون بها الافعال وتتصف بها، تقول هديت فلانا إلى أمر كذا إذا ذكرت له كيفية الوصول إليه أو أريته الطريق الذي ينتهى إليه، وهذه هي الهداية بمعنى إراءة الطريق، أو أخذت بيده وصاحبته في الطريق حتى توصله إلى الغاية المطلوبة، وهذه هي الهداية بمعنى الايصال إلى المطلوب.
فالواقع في الخارج في جميع هذه الموارد هو اقسام الافعال التي تأتى بها من ذكر الطريق أو إراءته أو المشي مع المهدى وأما الهداية فهى عنوان للفعل يدور مدار القصد كما أن ما يأتيه المهدى من الفعل في إثره معنون بعنوان الاهتداء فما ينسب إليه تعالى من الهداية ويسمى لأجله هاديا وهو أحد الأسماء الحسنى من صفات الفعل المنتزعة من فعله تعالى كالرحمة والرزق ونحوهما.
وهدايته تعالى نوعان: أحدهما الهداية التكوينية وهى التي تتعلق بالأمور التكوينية كهدايته كل نوع من أنواع المصنوعات إلى كماله الذي خلق لأجله وإلى أفعاله التي كتبت له، وهدايته كل شخص من أشخاص الخليقة إلى الامر المقدر له والأجل المضروب لوجوده قال تعالى: (الذي أعطى كل شئ خلقه ثم هدى) (طه: 50) وقال:
(الذي خلق فسوى، والذي قدر فهدى) (الاعلى: 3).
والنوع الثاني: الهداية التشريعية وهى التي تتعلق بالأمور التشريعية من الاعتقادات الحقة والأعمال الصالحة التي وضعها الله سبحانه للامر والنهى والبعث والزجر ووعد على الاخذ بها ثوابا وأو عد على تركها عقابا.