وأما السؤال الثالث والرابع أعني أنه: هل الحيوان يتلقى تكليفه في الدنيا برسول يبعث إليه ووحى ينزل عليه؟ وهل هذا الرسول المبعوث إلى نوع من أنواع الحيوان من أفراد ذلك النوع بعينه؟ فعالم الحيوان إلى هذا الحين مجهول لنا مضروب دونه بحجاب فالاشتغال بهذا النوع من البحث مما لا فائده فيه ولا نتيجة له إلا الرجم بالغيب، والكلام الإلهي على ما يظهر لنا من ظواهره غير متعرض لبيان شئ من ذلك، ولا يوجد في الروايات المأثورة عن النبي والأئمة من أهل بيته صلوات الله وسلامه عليهم ما يعتمد عليه في ذلك.
فقد تحصل أن المجتمعات الحيوانية كالمجتمع الانساني فيها مادة الدين الإلهي ترتضع من فطرتها نحو ما يرتضع الدين من الفطرة الانسانية ويمهدها للحشر إلى الله سبحانه كما يمهد دين الفطرة الانسان للحشر والجزاء، وإن كان المشاهد من حال الحيوان بالقياس إلى الانسان - وتؤيده الآيات القرآنية الناطقة بتسخير الأشياء للانسان وأفضليته من عامة الحيوان - أن الحيوان لم يؤت تفاصيل المعارف الانسانية ولا كلف بدقائق التكاليف الإلهية التي كلف بها الانسان.
* * * ولنرجع إلى متن الآية فقوله تعالى: (وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم) يدل على أن المجتمعات الحيوانية التي توجد بين كل نوع من أنواع الحيوان إنما تأسست على مقاصد نوعيه شعورية يقصدها كل نوع من الحيوان على اختلافها بالشعور والإرادة كالانسان.
وليس ذلك مقصورا على المقاصد الطبيعية أعني مقاصد التغذي والنمو وتوليد المثل المحدودة بهذه الحياة الدنيا بل ينبسط ذيله على ما بعد الموت ويتهيأ به إلى حياة أخرى ترتبط بالسعادة والشقاوة المرتضعتين من ثدي الشعور والإرادة.
وربما اعترض عليه أن القوم تسلموا أن غير الانسان من أنواع الحيوان محروم من موهبة الاختيار. ولذلك يعد أفعال الحيوان كأفعال النبات طبيعية غير اختيارية لما يشاهد من حالها أنها لا تملك نفسها من الاقدام على الفعل إذا صادف ما فيه نفعها المطلوب كالهرة إذا رأت فأرة أو الأسد إذا رأى فريسته، والهرب إذا صادف ما يخافه من عدو غالب