تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٧ - الصفحة ٧٨
وأما السؤال الثالث والرابع أعني أنه: هل الحيوان يتلقى تكليفه في الدنيا برسول يبعث إليه ووحى ينزل عليه؟ وهل هذا الرسول المبعوث إلى نوع من أنواع الحيوان من أفراد ذلك النوع بعينه؟ فعالم الحيوان إلى هذا الحين مجهول لنا مضروب دونه بحجاب فالاشتغال بهذا النوع من البحث مما لا فائده فيه ولا نتيجة له إلا الرجم بالغيب، والكلام الإلهي على ما يظهر لنا من ظواهره غير متعرض لبيان شئ من ذلك، ولا يوجد في الروايات المأثورة عن النبي والأئمة من أهل بيته صلوات الله وسلامه عليهم ما يعتمد عليه في ذلك.
فقد تحصل أن المجتمعات الحيوانية كالمجتمع الانساني فيها مادة الدين الإلهي ترتضع من فطرتها نحو ما يرتضع الدين من الفطرة الانسانية ويمهدها للحشر إلى الله سبحانه كما يمهد دين الفطرة الانسان للحشر والجزاء، وإن كان المشاهد من حال الحيوان بالقياس إلى الانسان - وتؤيده الآيات القرآنية الناطقة بتسخير الأشياء للانسان وأفضليته من عامة الحيوان - أن الحيوان لم يؤت تفاصيل المعارف الانسانية ولا كلف بدقائق التكاليف الإلهية التي كلف بها الانسان.
* * * ولنرجع إلى متن الآية فقوله تعالى: (وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم) يدل على أن المجتمعات الحيوانية التي توجد بين كل نوع من أنواع الحيوان إنما تأسست على مقاصد نوعيه شعورية يقصدها كل نوع من الحيوان على اختلافها بالشعور والإرادة كالانسان.
وليس ذلك مقصورا على المقاصد الطبيعية أعني مقاصد التغذي والنمو وتوليد المثل المحدودة بهذه الحياة الدنيا بل ينبسط ذيله على ما بعد الموت ويتهيأ به إلى حياة أخرى ترتبط بالسعادة والشقاوة المرتضعتين من ثدي الشعور والإرادة.
وربما اعترض عليه أن القوم تسلموا أن غير الانسان من أنواع الحيوان محروم من موهبة الاختيار. ولذلك يعد أفعال الحيوان كأفعال النبات طبيعية غير اختيارية لما يشاهد من حالها أنها لا تملك نفسها من الاقدام على الفعل إذا صادف ما فيه نفعها المطلوب كالهرة إذا رأت فأرة أو الأسد إذا رأى فريسته، والهرب إذا صادف ما يخافه من عدو غالب
(٧٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 73 74 75 76 77 78 79 80 81 82 83 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 سورة الأنعام 5
2 (37 - 55) كلام في المجتمعات الحيوانية. (بحث قرآني) 73
3 (56 - 73) كلام في معنى الحكم وأنه لله وحده (بحث قرآني) 115
4 (56 - 73) كلام في معنى حقيقة فعله وحكمه تعالى (بحث قرآني) 119
5 (76 - 83) قصة إبراهيم عليه السلام وشخصيته في أبحاث. 215
6 (76 - 83) 1 - قصة إبراهيم عليه السلام في القرآن. (بحث قرآني) 215
7 (76 - 83) 2 - منزلته عند الله تبارك وتعالى وموقفه العبودي. (بحث قرآني) 215
8 (76 - 83) 3 - أثره المبارك في المجتمع البشري (بحث علمي) 218
9 (76 - 83) 4 - ما تقصه التوراة فيه. (بحث تاريخي) 219
10 (76 - 83) 5 - تطبيق ما في التوراة من قصته من ما في القرآن. (بحث علمي) 225
11 (76 - 83) 6 - الجواب عما استشكل على القرآن على أمره (بحث علمي) 234
12 (84 - 90) كلام في معنى الكتاب في القرآن. (بحث قرآني) 252
13 (84 - 90) كلام في معنى الحكم في القرآن. (بحث قرآني) 254
14 (84 - 90) في أن الاسلام بعد أولاد البنات أولادا وذرية. (بحث قرآني وروائي) 261
15 (84 - 90) كلام في معنى البركة في القرآن. (بحث قرآني) 280
16 (91 - 105) كلام في عموم الخلقة وانبساطها على كل شئ (بحث قرآني) 292
17 (122 - 127) كلام في معنى الهداية الإلهية. (بحث قرآني) 346