فيه المصلحة الانسانية المطلقة أو مصلحة قوم خاص أو أمة خاصة، والمصلحة الحقيقية - كما - عرفت - مأخوذه من السنة الجارية في الكون مطلقا أو نسبيا.
فقد تبين ان الحق ايا ما كان انما هو مأخوذ من الكون الخارجي والنظام المنبسط عليه والسنة الجارية فيه، ولا ريب ان الكون والوجود مع ما له من النظام والسنن والنواميس فعله سبحانه منه يبتدئ وبه يقوم، واليه ينتهى، فالحق ايا ما كان والمصلحة كيفما فرضت يتبعان فعله ويقتفيان اثره، ويثبتان بالاستناد إليه لا انه تعالى يتبع الحق في فعله ويقفو اثره فهو تعالى حق بذاته وكل ما سواه حق به.
ونحن معاشر الآدميين لما كنا نطلب بأفعالنا الاختيارية تتميم نواقص وجودنا ورفع حوائج حياتنا، وكانت أفعالنا ربما طابقت سعادتنا المطلوبة لنا وربما خالفت اضطررنا في ذلك إلى رعاية جانب المصلحة التي نذعن بأنها مصلحة أي فيها صلاح حالنا وسعادة جدنا وأدى ذلك إلى الاذعان بقوانين جارية وأحكام عامة، واعتبار شرائع وسنن اجتماعية لازمة المراعاة واجبة الاتباع لموافاتها المصلحة الانسانية وموافقتها السعادة المطلوبة.
وأدى ذلك إلى الاذعان بأن للمصالح والمفاسد ثبوتا واقعيا وظروفا من التحقق منحازا عن العالمين: - الذهن والخارج - منعزلا عن الدارين: - العلم والعين - وهى تؤثر أثرها في خارج الكون بالموافقة والمخالفة فإذا طابقت أفعالنا أو أحكامنا المصالح الواقعية الثابتة في نفس الامر ظهرت فيها المصلحة وانتهت إلى السعادة، وإذا خالفتها وطابقت المفاسد الواقعية الحقيقية ساقتنا إلى كل ضر وشر، وهذا النحو من الثبوت ثبوت واقعى غير قابل للزوال والتغير فللمصالح والمفاسد الواقعية وكذا لما معها من الصفات الداعية إلى الفعل والترك كالحسن والقبح وكذا للأحكام المنبعثة منها كوجوب الفعل والترك مثلا لكل ذلك ثبوت واقعى يتأبى عن الفناء والبطلان، ويمتنع عن التغير والتبدل وهى حاكمة فينا باعثة لنا إلى أفعال كذا أو صارفة، والعقل ينال هذه الأمور النفس الامرية كما ينال سائر الأمور الكونية.
ثم لما وجدوا ان الاحكام والشرائع الإلهية لا تفارق الاحكام والقوانين الانسانية المجعولة في المجتمعات من جهة معنى الحكم، وكذا أفعاله تعالى لا تختلف مع أفعالنا من جهة معنى الفعل حكموا بأن الأحكام الإلهية والافعال المنسوبة إلى الله سبحانه كأفعالنا في الانطباق