ينفعكم دعاؤها شيئا.
بل تنسون هؤلاء الشركاء المسمين آلهة لان الانسان إذا أحاطت به البلية وهزهزته الهزاهز ينسى كل شئ دون نفسه إلا أن في نفسه رجاء أن ترتفع عنه البلية، والرافع الذي يرجو رفعها منه هو ربه، فتنسون شركاءكم وتدعون من يرفعها من دونهم وهو الله عز اسمه فيكشف الله سبحانه ما تدعون كشفه إن شاء أن يكشفه، وليس هو تعالى بمحكوم على الاستجابة ولا مضطرا إلى الكشف إذا دعى بل هو القادر على كل شئ في كل حال.
فإذا كان الله سبحانه هو الرب القدير الذي لا ينساه الانسان وإن نسى كل شئ إلا نفسه ويضطر إلى التوجه إليه ببعث من نفسه عند الشدائد القاصمة الحاطمة دون غيره من الشركاء المسمين آلهة فهو سبحانه هو رب الناس دونها.
فمعنى الآية (قل) يا محمد (أرأيتكم) أخبروني (إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة) فرض إتيان عذاب من الله ولا ينكرونه، وفرض إتيان الساعة ولم يعبأ بإنكارهم لظهوره (أغير الله تدعون) لكشفه، وقد حكى الله في كلامه عنهم سؤال كشف العذاب في الدنيا ويوم القيامة جميعا لما أن ذلك من فطريات الانسان (إن كنتم صادقين) وجئتم بالنصفة (بل إياه) الله سبحانه دون غيره من أصنامكم (تدعون فيكشف ما تدعون إليه) من العذاب (إن شاء) أن يكشفه كما كشف لقوم يونس، وليس بمجبر ولا مضطرا إلى القبول لقدرته الذاتية (وتنسون ما تشركون) من الأصنام والأوثان على ما في غريزة الانسان أن يشتغل عند إحاطة البلية به عن كل شئ بنفسه، ولا يهم إلا بنفسه لضيق المجال به أن يتلهى بما لا ينفعه، فاشتغاله والحال هذه بدعاء الله سبحانه ونسيانه الأصنام أصرح حجة أنه تعالى هو الله لا إله غيره ولا معبود سواه.
وبما تقدم من تقرير معنى الآية يتبين أولا: أن إتيان العذاب أو الساعة، وكذا الدعاء لكشفه مفروضان في حجة الآية، والمطلوب بيان أن المدعو حينئذ هو الله عز اسمه دون الأصنام، وأما أصل الدعاء عند الشدائد والمصائب، وأن للانسان توجها جبليا عند ما تطل عليه البلية ويتقطع عنه كل سبب إلى من يكشفها عنه فهو حجة أخرى