أقول كأن المراد بالضلال في الرواية الشرك الذي هو أصل كل بما ظلم فوقه وما يزيد عليه من المعاصي والمظالم، أو المراد بالضلال أدنى ما يتحقق به الظلم من المعاصي، وبما فوقه الشرك الذي هو المرتبة الشديدة من الضلال فإن كل معصية ضلال.
والروايات - كما ترى - تتفنن في تفسير الظلم في الآية فتارة تفسرها بالشرك وتارة بالشك وتارة بما عليه الخوارج، وفي بعضها: أن منه ولاية أعدائهم، وكل ذلك من شواهد ما قدمنا أن الظلم في الآية مطلق وهو في إطلاقه ذو مراتب بحسب درجات الافهام.
(كلام في قصه إبراهيم عليه الاسلام وشخصيته) وفيه أبحاث مختلفه قرآنية واخرى علمية وتاريخية وغير ذلك.
1 - قصة إبراهيم عليه السلام في القرآن: كان إبراهيم عليه السلام في طفوليته إلى أوائل تمييزه يعيش في معزل من مجتمع قومه ثم خرج إليهم ولحق بأبيه فوجده وقومه يعبدون الأصنام فلم يرتض منه ومنهم ذلك وقد كانت فطرته طاهرة زاكية مؤيدة من الله سبحانه بالشهود الحق وإراءة ملكوت كل شئ وبالجملة وبالقول الحق والعمل الصالح.
فأخذ يحاج أباه في عبادته الأصنام ويدعوه إلى رفضها وتوحيد الله سبحانه واتباعه حتى يهديه إلى مستقيم الصراط ويبعده من ولاية الشيطان، ولم يزل يحاجه ويلح عليه حتى زبره وطرده عن نفسه وأوعده أن يرجمه إن لم ينته عن ذكر آلهته بسوء والرغبة عنها.
فتلطف إبراهيم عليه السلام إرفاقا به وحنانا عليه وقد كان ذا خلق كريم وقول مرضى فسلم عليه ووعده أن يستغفر له ويعتزله وقومه وما يعبدون من دون الله (مريم: 41، 48) وقد كان من جانب آخر يحاج القوم في أمر الأصنام (الأنبياء: 51 - 56، الشعراء:
69 - 77، الصافات: 83 - 87) ويحاج أقواما آخرين منهم يعبدون الشمس والقمر والكوكب في أمرها حتى ألزمهم الحق وشاع خبره في الانحراف عن الأصنام والالهة (الانعام: 74 82) حتى خرج القوم ذات يوم إلى عبادة جامعة خارج البلد واعتل هو بالسقم فلم يخرج معهم وتخلف عنهم فدخل بيت الأصنام فراغ على آلهتهم ضربا باليمين فجعلهم جذاذا إلا كبيرا لهم لعلهم إليه يرجعون فلما تراجعوا وعلموا بما حدث بآلهتهم وفتشوا عمن ارتكب ذلك قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم.