بيان كل ما يتوقف على معرفته سعادة الناس في دنياهم وآخرتهم كما قال تعالى: (ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شئ) (النحل: 89).
ومما يجب إن يعرفه الناس في سبيل تفقه أمر المعاد أن يتبينوا كيفية ارتباط الحشر وهو البعث يوم القيامة على نهج الاجتماع بالتشكل الاممي في الدنيا، وأن ذلك هو الذي يجدونه بين أنفسهم ويجدونه بين سائر الأنواع الحيوانية، ويترتب عليه دون ذلك فوائد أخرى كالتبصر في توحيد الله تعالى ولطيف قدرته وعنايته بأمر الخليقة والنظام العام الجاري في العالم، ومن أهم فوائده معرفة أن الموجود آخذ في سلسلته من النقص إلى الكمال، وبعض قطعاتها المشتملة على حلقات الحيوان الشامل للانسان وما دونه مراتب مختلفة مترتبة آخذة من المراتب القاطنة في أفق النبات إلى المراتب المجاورة لمرتبة الانسان ثم الانسان.
وقد ندب الله سبحانه الناس إلى معرفة الحيوان والنظر في الآيات المودعة في وجوده أبلغ الندب، وعد ذلك موصلا إلى أفضل النتائج العلمية الملازمة للسعادة الانسانية وهو اليقين بالله سبحانه حيث قال: (وفي خلقكم وما يبث من دابة آيات لقوم يوقنون) (الجاثية: 4)، والآيات في الحث على النظر في أمر الحيوان كثيرة في القرآن الكريم.
ومن الممكن أن يشار في الآية إلى كلا المعنيين فيراد في الكتاب مطلق الكتاب، ويكون المعنى أن الله سبحانه لا يفرط فيما يكتب من شئ، أما في كتاب التكوين فإنه يقضى ويقدر لكل نوع ما في استحقاقه أن يناله من كمال الوجود كالانواع الحيوانية هيأ لكل منها من سعادة الحياة الأممية الاجتماعية ما هيأه للانسان لما رأى من صلوحها لذلك فلم يفرط في أمرها، وأما في كتابه الذي هو كلامه الموحى إلى الناس فإنه يبين فيه ما في معرفته خير الناس وسعادة عاجلهم وآجلهم ولا يفرط في ذلك، ومن ذلك أنه لم يفرط في أمر الأمم الحيوانية، وبين في هذه الآية حقيقة ما وهبه لها من نوع السعادة الوجودية التي جعلتهم أمما حية سائرة بوجودها إلى الله سبحانه محشورة إليه كالانسان. وقوله تعالى: (ثم إلى ربهم يحشرون) بيان لعموم الحشر لهم وأن حياتهم الموهوبة نوع حياة تستتبع الحشر إلى الله كما أن الحياة الانسانية كذلك، ولذلك أرجع الضمير المستعمل في أولى الشعور والعقل، فقال: (إلى ربهم يحشرون) إشارة إلى