إليه الخلق على حسب أعمالهم، فلمثل هذه الأدعية صورة الدعاء فقط دون حقيقة معناها، وأما لو تحقق الدعاء بحقيقته بأن يدعى حقيقة ويتعلق ذلك الدعاء بالله حقيقة كما هو ظاهر قوله: (أجيب دعوة الداع إذا دعان) الآية، فإن ذلك لا يرد البتة والدعاء على هذا النعت لا يدع الكافر كافرا ولو حين الدعاء كما قال تعالى: (فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون) (العنكبوت: 65).
فما في قوله: (وما دعاء الكافرين إلا في ضلال) دعاء منهم وهم على الكفر فإن الثابت من ملكة الكفر لا يفارقهم في دار الجزاء وإن كان من الجائز أن يفارقهم في دار العمل بالتوبة والايمان.
فدعاؤهم لكشف العذاب عنهم يوم القيامة أو في جهنم ككذبهم على الله يوم القيامة بقولهم - كما حكى الله - والله ربنا ما كنا مشركين، ولا ينفع اليوم كذب غير أنهم اعتادوا ذلك في الدنيا ورسخت رذيلتهم في نفوسهم فبرزت عنهم آثاره يوم تبلى السرائر، ونظير أكلهم وشربهم وخصامهم في النار، ولا غنى لهم في شئ من ذلك، كما قال تعالى: (تسقى من عين آنية ليس لهم طعام إلا من ضريع لا يسمن ولا يغنى من جوع) (الغاشية: 7)، وقال تعالى: (ثم أنكم أيها الضالون المكذبون لآكلون من شجر من زقوم فمالئون منها البطون فشاربون عليه من الحميم فشاربون شرب الهيم) (الواقعة:
55)، وقال تعالى: (إن ذلك لحق تخاصم أهل النار) (ص: 64)، فهذا كله من قبيل ظهور الملكات فيهم.
وما قبل الآية يؤيد ما ذكرناه من أن دعاءهم ليس على حقيقته وهو قوله تعالى:
(وقال الذين في النار لخزنة جهنم ادعوا ربكم يخفف عنا يوما من العذاب، قالوا أو لم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلى قالوا فادعوا وما دعاء الكافرين إلا في ضلال (المؤمن:
50)، فان مسألتهم خزنة النار أن يدعوا الله لهم في تخفيف العذاب ظاهر في أنهم آيسون من استجابة دعائهم أنفسهم، والدعاء مع اليأس عن الاستجابة ليس دعاء ومسألة حقيقية إذ لا يتعلق الطلب بما لا يكون البتة.
وثالثا: أن النسيان في قوله: (وتنسون ما تشركون) حقيقة معناه على ما هو)