(كلام في معنى الكتاب في القرآن) الكتاب بحسب ما يتبادر منه اليوم إلى أذهاننا هو الصحيفة أو الصحائف التي تضبط فيها طائفة من المعاني على طريق التخطيط بقلم أو طابع أو غيرهما (1) لكن لما كان الاعتبار في استعمال الأسماء إنما هو بالاغراض التي أوقعت التسمية لاجلها أباح ذلك التوسع في إطلاق الأسماء على غير مسمياتها المعهودة في أوان الوضع، والغرض من الكتاب هو ضبط طائفة من المعاني بحيث يستحضرها الانسان كلما راجعه، وهذا المعنى لا يلازم ما خطته اليد بالقلم على القرطاس كما أن الكتاب في ذكر الانسان إذا حفظه كتاب وإذا أملاه عن حفظه كتاب وإن لم يكن هناك صحائف أو ألواح مخطوطه بالقلم المعهود.
وعلى هذا التوسع جرى كلامه تعالى في إطلاق الكتاب على طائفة من الوحي الملقى إلى النبي وخاصه إذا كان مشتملا على عزيمة وشريعة وكذا إطلاقه على ما يضبط الحوادث والوقائع نوعا من الضبط عند الله سبحانه، قال تعالى: (كتاب أنزلناه إليك مبارك) (ص: 29) وقال تعالى: (ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها) (الحديد: 22) وقال تعالى: (وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا، اقرا كتابك) (الاسراء: 14). وفي هذه الأقسام الثلاثة ينحصر ما ذكره الله سبحانه في كلامه من كتاب منسوب إلى نفسه غير ما في ظاهر قوله في أمر التوراة: (وكتبنا له في الألواح من كل شئ موعظة وتفصيلا لكل شئ) (الأعراف: 145) وقوله: (وألقى الألواح وأخذ برأس أخيه) (الأعراف: 150) وقوله: (ولما سكت عن موسى الغضب أخذ الألواح وفي نسختها هدى ورحمة للذين هم لربهم يرهبون) (الأعراف: 154) (2).
القسم الأول: الكتب المنزلة على الأنبياء عليهم السلام وهى المشتملة على شرائع الدين - كما تقدم آنفا - وقد ذكر الله سبحانه منها كتاب نوح عليه السلام في قوله: وأنزل معهم الكتاب بالحق) (البقرة: 213) وكتاب إبراهيم وموسى عليهما السلام قال: (صحف