الدهور، ولا يستكمل المختلفان في الاستعداد شدة وضعفا بمكمل واحد من التربية العلمية والعملية على وتيرة واحدة فقوله: " إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور " أي شئ من الهداية يهتدى بها، وشئ من النور يتبصر به من المعارف والاحكام على حسب حال بني إسرائيل، ومبلغ استعدادهم، وقد بين الله سبحانه في كتابه عامة أخلاقهم، وخصوصيات أحوال شعبهم ومبلغ فهمهم، فلم ينزل إليهم من الهداية إلا بعضها ومن النور إلا بعضه لسبق عهدهم وقدمة أمتهم، وقلة استعداد، هم قال تعالى: " وكتبنا له في الألواح من كل شئ موعظة وتفصيلا لكل شئ " (الأعراف: 145).
وقوله: " يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا " إنما وصف النبيين بالاسلام وهو التسليم لله، الذي هو الدين عند الله سبحانه للإشارة إلى أن الدين واحد، وهو الاسلام لله وعدم الاستنكاف عن عبادته، وليس لمؤمن بالله - وهو مسلم له - أن يستكبر عن قبول شئ من أحكامه وشرائعه.
" وقوله والربانيون والاحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء " أي ويحكم بها الربانيون وهم العلماء المنقطعون إلى الله علما وعملا، أو الذين إليهم تربية الناس بعلومهم بناء على اشتقاق اللفظ من الرب أو التربية، والاحبار وهم الخبراء من علمائهم يحكمون بما أمرهم الله به وأراده منهم أن يحفظوه من كتاب الله، وكانوا من جهة حفظهم له وتحملهم إياه شهداء عليه لا يتطرق إليه تغيير وتحريف لحفظهم له في قلوبهم، فقوله:
" وكانوا عليه شهداء " بمنزلة النتيجة لقوله: " بما استحفظوا " (الخ) أي أمروا بحفظه فكانوا حافظين له بشهادتهم عليه.
وما ذكرناه من معنى الشهادة هو الذي يلوح من سياق الآية، وربما قيل: إن المراد بها الشهادة على حكم النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الرجم أنه ثابت في التوراة وقيل: إن المراد الشهادة على الكتاب أنه من عند الله وحده لا شريك له، ولا شاهد من جهة السياق يشهد على شئ من هذين المعنيين.
وأما قوله تعالى: " فلا تخشوا الناس واخشون ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا " فهو متفرع على قوله: إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها " أي لما كانت التوراة منزلة من عندنا مشتملة على شريعة يقضى بها النبيون والربانيون والاحبار بينكم فلا تكتموا شيئا