إنما آمنوا بألسنتهم لا بقلوبهم وما أولئك بالمؤمنين، وكذلك اليهود الذين جاؤوك وقالوا ما قالوا وقوله: " ومن الذين هادوا " عطف على قوله: " من الذين قالوا آمنا " (الخ) على ما يفيده السياق، وليس من الاستيناف في شئ وعلى هذا فقوله: " سماعون للكذب سماعون لقوم آخرين لم يأتوك " خبر لمبتدأ محذوف أي هم سماعون (الخ).
وهذه الجمل المتسقة بيان حال الذين هادوا، وأما المنافقون المذكورون في صدر الآية فحالهم لا يوافق هذه الأوصاف كما هو ظاهر.
فهؤلاء المذكورون من اليهود هم سماعون للكذب أي يكثرون من سماع الكذب مع العلم بأنه كذب، وإلا لم يكن صفة ذم، وهم كثير السمع لقوم آخرين لم يأتوك، يقبلون منهم كل ما ألقوه إليهم ويطيعونهم في كل ما أرادوه منهم، واختلاف معنى السمع هو الذي أوجب تكرار قوله: " سماعون فإن الأول يفيد معنى الاصغاء والثانية معنى القبول.
وقوله: " يحرفون الكلم من بعد مواضعه " أي بعد استقرارها في مستقرها والجملة صفة لقوله: " لقوم آخرين " وكذا قوله: " يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا.
ويتحصل من المجموع أن عدة من اليهود ابتلوا بواقعة دينية فيما بينهم، لها حكم إلهي عندهم لكن علماءهم غيروا الحكم بعد ثبوته ثم بعثوا طائفة منهم إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأمروهم أن يحكموه في الواقعة فإن حكم بما أنبأهم علماؤهم من الحكم المحرف فليأخذوه وإن حكم بغير ذلك فليحذروا.
وقوله: " ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا " الظاهر أنه معترضة يبين بها أنهم في أمرهم هذا مفتونون بفتنة إلهية، فلتطب نفس النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأن الامر من الله واليه وليس يملك منه تعالى شئ في ذلك، ولا موجب للتحزن فيما لا سبيل إلى التخلص منه.
وقوله: " أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم " فقلوبهم باقية على قذارتها الأولية لما تكرر منهم من الفسق بعد الفسق فأضلهم الله به، وما يضل به إلا الفاسقين.
وقوله: " لهم في الدنيا خزى ولهم في الآخرة عذاب عظيم " إيعاد لهم بالخزي في الدنيا وقد فعل بهم، وبالعذاب العظيم في الآخرة.
قوله تعالى: " سماعون للكذب أكالون للسحت " قال الراغب في المفردات: السحت