بالذين يؤمنون بذلك.
وعلى هذا المعنى فقوله: ثم " يتولون من بعد ذلك " أي عن حكم الواقعة مع كون التوراة عندهم وفيها حكم الله، وقوله وما أولئك بالمؤمنين " أي بالذين يؤمنون بالتوراة وحكمها فهم تحولوا من الايمان بها وبحكمها إلى الكفر.
ويمكن أن يفهم من قوله: " ثم يتولون " التولي عما حكم به النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومن قوله: " وما أولئك بالمؤمنين " نفى الايمان بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم على ما كان يظهر من رجوعهم إليه وتحكيمهم إياه، أو نفى الايمان بالتوراة وبالنبي صلى الله عليه وآله وسلم جميعا، لكن ما تقدم من المعنى أنسب لسياق الآيات.
وفي الآية تصديق ما للتوراة التي عند اليهود اليوم، وهى التي جمعها لهم عزراء بإذن " كورش " ملك إيران بعد ما فتح بابل، وأطلق بني إسرائيل من أسر البابليين وأذن لهم في الرجوع إلى فلسطين وتعمير الهيكل، وهى التي كانت بيدهم في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهى التي بيدهم اليوم، فالقرآن يصدق أن فيها حكم الله، وهو أيضا يذكر أن فيها تحريفا وتغييرا.
ويستنتج من الجميع: أن التوراة الموجودة الدائرة بينهم اليوم فيها شئ من التوراة الأصلية النازلة على موسى عليه السلام وأمور حرفت وغيرت اما بزيادة أو نقصان أو تغيير لفظ أو محل أو غير ذلك، وهذا هو الذي يراه القرآن في أمر التوراة، والبحث الوافي عنها أيضا يهدى إلى ذلك.
قوله تعالى: " انا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون " (الخ) بمنزلة التعليل لما ذكر في الآية السابقة، وهى وما بعدها من الآيات تبين أن الله سبحانه شرع لهذه الأمم على اختلاف عهودهم شرائع، وأودعها في كتب أنزلها إليهم ليهتدوا بها ويتبصروا بسببها، ويرجعوا إليها فيما اختلفوا فيه، وامر الأنبياء والعلماء منهم ان يحكموا بها، ويتحفظوا عليها ويقوها من التغيير والتحريف، ولا يطلبوا في الحكم ثمنا ليس الا قليلا، ولا يخافوا فيها الا الله سبحانه ولا يخشوا غيره.
وأكد ذلك عليهم وحذرهم اتباع الهوى، وتفتين أبناء الدنيا، وإنما شرع من الاحكام مختلفا باختلاف الأمم و الأزمان ليتم الامتحان الإلهي فإن استعداد الأزمان مختلف بمرور