صلى الله عليه وآله وسلم ولامته فالواجب عليهم أن يستبقوا هذه الخيرات، والآية الثانية تأمر بالحكم بما أنزل الله، وتحذر اتباع أهواء الناس وتبين أن توليهم ان تولوا عما أنزل الله كاشف عن اضلال الهى لهم لفسقهم وقد قال الله تعالى: " يضل به كثيرا ويهدى به كثيرا وما يضل به الا الفاسقين " (البقرة: 26).
فيتحصل مما تقدم أن هذه الآية بمنزلة البيان لبعض ما تتضمنه الآية السابقة من المعاني المفتقرة إلى البيان، وهو أن اعراض أرباب الأهواء عن اتباع ما انزل الله بالحق انما هو لكونهم فاسقين، وقد أراد الله ان يصيبهم ببعض ذنوبهم الموجبة لفسقهم، والإصابة هو الاضلال ظاهرا، فقوله: " وان احكم بينهم بما انزل الله " عطف على الكتاب في قوله:
" وأنزلنا إليك الكتاب " كما قيل، والأنسب حينئذ ان يكون اللام فيه مشعرة بالتلميح إلى المعنى الحدثي، ويصير المعنى: وأنزلنا إليك ما كتب عليهم من الاحكام وان احكم بينهم بما انزل الله (الخ).
وقوله: " واحذرهم ان يفتنوك عن بعض ما انزل الله إليك " امره تعالى نبيه بالحذر عن فتنتهم مع كونه صلى الله عليه وآله وسلم معصوما بعصمة الله انما هو من جهة ان قوة العصمة لا توجب بطلان الاختيار وسقوط التكاليف المبنية عليه فإنها من سنخ الملكات العلمية، والعلوم والادراكات لا تخرج القوى العاملة والمحركة في الأعضاء والأعضاء الحاملة لها عن استواء نسبة الفعل والترك إليها.
كما أن العلم الجازم بكون الغذاء مسموما يعصم الانسان عن تناوله واكله، لكن الأعضاء المستخدمة للتغذي كاليد والفم واللسان والأسنان من شأنها ان تعمل عملها في هذا الاكل وتتغذى به، ومن شأنها ان تسكن فلا تعمل شيئا مع امكان العمل لها فالفعل اختياري وان كان كالمستحيل صدوره ما دام هذا العلم.
وقد تقدم شطر من الكلام في ذلك في الكلام على قوله تعالى: " وما يضرونك من شئ وانزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما " (النساء: 113).
وقوله: " فإن تولوا فاعلم انما يريد الله ان يصيبهم ببعض ذنوبهم " بيان لأمر اضلالهم اثر فسقهم كما تقدم، وفيه رجوع إلى بدء الكلام في هذه الآيات: " يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر " (الخ) ففيه تسلية للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وتطييب لنفسه، وتعليم له