تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٥ - الصفحة ٣٣٩
وأنه صلى الله عليه وآله وسلم أرجعهم إلى حكم التوراة فتولوا عنه، وانه كان هناك طائفة من المنافقين يميلون إلى مثل ما يميل إليه أولئك المحكمون المستفتون من أهل الكتاب يريدون أن يفتنوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيحكم بينهم على الهوى ورعاية جانب الأقوياء وهو حكم الجاهلية، ومن أحسن حكما من الله لقوم يوقنون؟ وبذلك يتأيد ما ورد في أسباب النزول ان الآيات نزلت في اليهود حين زنا منهم محصنان من أشرافهم، وأراد أحبارهم ان يبدلوا حكم الرجم الذي في التوراة الجلد، فبعثوا من يسأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن حكم زنا المحصن، ووصوهم إن هو حكم بالجلد أن يقبلوه، وان حكم بالرجم أن يردوه فحكم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالرجم فتولوا عنه فسأل صلى الله عليه وآله وسلم ابن صوريا عن حكم التوراة في ذلك وأقسمه بالله وآياته ان لا يكتم ما يعلمه من الحق فصدق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأن حكم الرجم موجود في التوراة (القصة) وسيجئ في البحث الروائي الآتي إنشاء الله تعالى.
والآيات مع ذلك مستقلة في بيانها غير مقيدة فيما أفادها بسبب النزول، وهذا شأن الآيات القرآنية مما نزلت لأسباب خاصة من الحوادث الواقعة، ليس لأسباب نزولها منها إلا ما لواحد من مصاديقها الكثيرة من السهم، وليس إلا لان القرآن كتاب عام دائم لا يتقيد بزمان أو مكان، ولا يختص بقوم أو حادثة خاصة، وقال تعالى: " ان هو إلا ذكر للعالمين " (يوسف: 104) وقال تعالى: " تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا " (الفرقان: 1) وقال تعالى: " وإنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه " (فصلت: 42).
قوله تعالى: " يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر " تسلية للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وتطييب لنفسه مما لقى من هؤلاء المذكورين في الآية، وهم الذين يسارعون في الكفر أي يمشون فيه المشية السريعة، ويسيرون فيه السير الحثيث، تظهر من أفعالهم وأقوالهم موجبات الكفر واحدة بعد أخرى فهم كافرون مسارعون في كفرهم والمسارعة في الكفر غير المسارعة إلى الكفر.
وقوله: " من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم " بيان لهؤلاء الذين يسارعون في الفكر أي من المنافقين، وفى وضع هذا الوصف موضع الموصوف إشارة إلى علة النهى كما أن الاخذ بالوصف السابق أعني قوله: " الذين يسارعون في الكفر " للإشارة إلى علة المنهى عنه، والمعنى - والله أعلم -: لا يحزنك هؤلاء بسبب مسارعتهم في الكفر فإنهم
(٣٣٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 334 335 336 337 338 339 340 341 342 343 344 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 سورة النساء 5
2 (77 - 80) كلام في استناد الحسنات والسيئات إليه تعالى. (بحث قرآني) 9
3 (85 - 91) في معنى التحية. (بحث قرآني) 31
4 (95 - 100) في المستضعف. (بحث قرآني) 51
5 (105 - 126) في معنى العصمة. (بحث قرآني) 78
6 سورة المائدة 156
7 (1 - 3) في معنى العقد. (بحث قرآني) 158
8 بحث علمي في فصول ثلاثة: (1 - 3) 1 - العقائد في اكل اللحم. (بحث علمي) 183
9 (1 - 3) 2 - كيف امر بقتل الحيوان والرحمة تأباه؟ (بحث علمي) 184
10 (1 - 3) 3 - لماذا بني الاسلام على التذكية؟ (بحث علمي) 187
11 (15 - 19) كلام في طريق التفكر الذي يهدي إليه القرآن (بحث مختلط قرآني وروائي) 254
12 (15 - 19) في تاريخ التفكر الاسلامي اجمالا. (بحث تاريخي) 271
13 (27 - 32) كلام في معنى الاحساس والتفكير. (بحث قرآني) 308
14 (27 - 32) في تطبيق قصة ابني آدم على ما في التوراة. (بحث علمي) 323
15 (41 - 50) كلام في معنى الشريعة والفرق بينها وبين الدين والملة في عرف القرآن. (بحث قرآني) 350
16 (51 - 54) كلام في معنى مرض القلب. (بحث قرآني) 377
17 (51 - 54) كلام في كليات حوادث آخر الزمان. (بحث قرآني وروائي) 390