للذين في قلوبهم مرض ويمكن العكس، وكذا الضمير في قوله: " حبطت أعمالهم فأصبحوا "، يمكن رجوعه إلى اليهود والنصارى، وإلى الذين في قلوبهم مرض.
لكن الظاهر من السياق أن الخطاب للذين في قلوبهم مرض، والإشارة إلى اليهود والنصارى، وقوله: " حبطت أعمالهم "، كالجواب لسؤال مقدر، والمعنى: وعسى أن يأتي الله بالفتح أو أمر من عنده فيقول الذين آمنوا لهؤلاء الضعفاء الايمان عند حلول السخط الإلهي بهم: أهؤلاء اليهود والنصارى هم الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم أي أيمانهم التي بالغوا وجهدوا فيها جهدا أنهم لمعكم فلما ذا لا ينفعونكم؟! ثم كأنه سئل فقيل: فإلى م انتهى أمر هؤلاء الموالين؟ فقيل في جوابه: حبطت أعمالهم فأصبحوا خاسرين.
(كلام في معنى مرض القلب) وفي قوله تعالى: " في قلوبهم مرض " دلالة على أن للقلوب مرضا فلها لا محالة صحة إذ الصحة والمرض متقابلان لا يتحقق أحدهما في محل إلا بعد إمكان تلبسه بالآخر كالبصر والعمى ألا ترى أن الجدار مثلا لا يتصف بأنه مريض لعدم جواز اتصافه بالصحة والسلامة.
وجميع الموارد التي أثبت الله سبحانه فيها للقلوب مرضا في كلامه يذكر فيها من أحوال تلك القلوب وآثارها أمورا تدل على خروجها من استقامة الفطرة، وانحرافها عن مستوى الطريقة كقوله تعالى: " وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا " (الأحزاب: 12) وقوله تعالى: " إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض غر هؤلاء دينهم " (الأنفال: 49) وقوله تعالى: " ليجعل ما يلقى الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم " (الحج: 53) إلى غير ذلك.
وجملة الامر أن مرض القلب تلبسه بنوع من الارتياب والشك يكدر أمر الايمان بالله والطمأنينة إلى آياته، وهو اختلاط من الايمان بالشرك، ولذلك يرد على مثل هذا القلب من الأحوال، ويصدر عن صاحب هذا القلب في مرحلة الأعمال والافعال ما يناسب الكفر بالله وبآياته.
وبالمقابلة تكون سلامة القلب وصحته هي استقراره في استقامة الفطرة ولزومه مستوى الطريقة، ويؤل إلى خلوصه في توحيد الله سبحانه وركونه إليه عن كل شئ يتعلق به هوى الانسان، قال تعالى: " يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم " (الشعراء: 89).
ومن هنا يظهر أن الذين في قلوبهم مرض غير المنافقين كما لا يخلو تعبير القرآن عنهما