(الخ) سياق الآيات من جهة تعرضها لحال شريعة موسى وعيسى ومحمد صلى الله عليه وآله وعليهما ونزولها في حق كتبهم يقضى بانطباق بعضها على بعض ولازم ذلك:
اولا: أن الإنجيل المذكور في الآية - ومعناها البشارة - كان كتابا نازلا على المسيح عليه السلام لا مجرد البشارة من غير كتاب غير أن الله سبحانه لم يفصل القول في كلامه في كيفية نزوله على عيسى كما فصله في خصوص التوراة والقرآن قال تعالى في حق التوراة: " قال يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين وكتبنا له في الألواح من كل شئ موعظة وتفصيلا لكل شئ " (الأعراف: 145) وقال:
" أخذ الألواح وفي نسختها هدى ورحمة للذين هم لربهم يرهبون " (الأعراف: 154).
وقال في خصوص القرآن: " نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين " (الشعراء: 195) وقال: " نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين " (الشعراء: 195) وقال: " إنه لقول رسول كريم ذي قوة عند ذي العرش مكين مطاع ثم أمين " (التكوير: 21) وقال: " في صحف مكرمة مرفوعة مطهرة بأيدي سفرة كرام بررة " (عبس: 16) وهو سبحانه لم يذكر في تفصيل نزول الإنجيل ومشخصاته شيئا، لكن ذكره نزوله على عيسى في الآية محاذيا لذكر نزول التوراة على موسى في الآية السابقة ونزول القرآن على محمد صلى الله عليه وآله وعليهما يدل على كونه كتابا في عرض الكتابين.
وثانيا: أن قوله تعالى في وصف الإنجيل: " فيه هدى ونور " محاذاة لقوله في وصف التوراة " إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور " يراد به ما يشتمل عليه الكتاب من المعارف والاحكام غير أن قوله تعالى في هذه الآية ثانيا: " وهدى وموعظة للمتقين " يدل على أن الهدى المذكور أولا غير الهدى الذي تفسيره الموعظة فالهدى المذكور أولا هو نوع المعارف التي يحصل بها الاهتداء في باب الاعتقادات، وأما ما يهدى من المعارف إلى التقوى في الدين فهو الذي يراد بالهدى المذكور ثانيا.
وعلى هذا لا يبقى لقوله: " ونور " من المصداق إلا الاحكام والشرائع، والتدبر ربما ساعد على ذلك فإنها أمور يستضاء بها ويسلك في ضوئها وتنورها مسلك الحيا، وقد قال تعالى: " أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشى به في الناس " (الانعام: 122).
وقد ظهر بذلك: ان المراد بالهدى في وصف التوراة وفي وصف الإنجيل اولا هو نوع المعارف الاعتقادية كالتوحيد والمعاد، وبالنور في الموضعين نوع الشرائع والاحكام،