القشر الذي يستأصل قال تعالى: " فيسحتكم بعذاب " وقرئ: فيسحتكم (أي بفتح الياء) يقال: سحته وأسحته ومنه السحت للمحظور الذي يلزم صاحبه العار كأنه يسحت دينه ومروءته، قال تعالى: " أكالون للسحت " أي لما يسحت دينهم، وقال عليه السلام كل لحم نبت من سحت فالنار أولى به، وسمى الرشوة سحتا. انتهى.
فكل مال اكتسب من حرام فهو سحت، والسياق يدل على أن المراد بالسحت في الآية هو الرشا ويتبين من إيراد هذا الوصف في المقام أن علماءهم الذين بعثوا طائفة منهم إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم كانوا قد أخذوا في الواقعة رشوة لتحريف حكم الله فقد كان الحكم مما يمكن أن يتضرر به بعضه فسد الباب بالرشوة، فأخذوا الرشوة وغيروا حكم الله تعالى.
ومن هنا يظهر أن قوله تعالى: " سماعون للكذب أكالون للسحت " باعتبار المجموع وصف لمجموع القوم، وأما بحسب التوزيع فقوله: " سماعون للكذب " وصف لقوله:
" الذين هادوا وهم المبعوثون إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومن في حكمهم من التابعين، وقوله:
" أكالون للسحت " وصف لقوم آخرين، والمحصل أن اليهود منهم علماء يأكلون الرشى، وعامة مقلدون سماعون لأكاذيبهم.
قوله تعالى: " فإن جاؤوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم " (إلى آخر الآية) تخيير للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بين أن يحكم بينهم إذا حكموه أو يعرض عنهم، ومن المعلوم أن اختيار أحد الامرين لم يكن يصدر منه صلى الله عليه وآله وسلم إلا لمصلحة داعية فيؤول إلى إرجاع الامر إلى نظر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ورأيه.
ثم قرر تعالى هذا التخيير بأنه ليس عليه صلى الله عليه وآله وسلم ضرر لو ترك الحكم فيهم وأعرض عنهم وبين له أنه لو حكم بينهم فليس له أن يحكم إلا بالقسط والعدل.
فيعود المضمون بالآخرة إلى أن الله سبحانه لا يرضى أن يجرى بينهم إلا حكمه فإما أن يجرى فيهم ذلك أو يهمل أمرهم فلا يجرى من قبله صلى الله عليه وآله وسلم حكم آخر.
قوله تعالى: " وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله ثم يتولون من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين " تعجيب من فعالهم أنهم أمة ذات كتاب وشريعة وهم منكرون لنبوتك وكتابك وشريعتك ثم يبتلون بواقعة في كتابهم حكم الله فيها، ثم يتولون بعد ما عندهم التوراة فيها حكم الله والحال أن أولئك المبتعدين من الكتاب وحكمه ليسوا