الكفر والظلم والفسق.
ولعل الوجه في ذكر الفسق عند التعرض لما يرجع إلى النصارى، والكفر والظلم فيما يعود إلى اليهود أن النصارى بدلوا التوحيد تثليثا ورفضوا أحكام التوراة بأخذ بولس دين المسيح دينا مستقلا منفصلا عن دين موسى مرفوعا فيه الاحكام بالتفدية فخرجت النصارى بذلك عن التوحيد وشريعته بتأول ففسقوا عن دين الله الحق، والفسق خروج الشئ من مستقره كخروج لب التمرة عن قشرها.
وأما اليهود فلم يشتبه عليهم الامر فيما عندهم من دين موسى عليه السلام وإنما ردوا الاحكام والمعارف التي كانوا على علم منها وهو الكفر بآيات الله والظلم لها.
والآيات الثلاث أعني قوله: " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون، فأولئك هم الظالمون، فأولئك هم الفاسقون " آيات مطلقة لا تختص بقوم دون قوم، وإن انطبقت على أهل الكتاب في هذا المقام.
وقد اختلف المفسرون في معنى كفر من لم يحكم بما أنزل الله كالقاضي يقضى بغير ما أنزل الله والحاكم يحكم على خلاف ما أنزل الله، والمبتدع يستن بغير السنة وهى مسألة فقهية الحق فيها أن المخالفة لحكم شرعي أو لأي أمر ثابت في الدين في صورة العلم بثبوته والرد له توجب الكفر، وفي صورة العلم بثبوته مع عدم الرد له توجب الفسق، وفي صورة عدم العلم بثبوته مع الرد له لا توجب كفرا ولا فسقا لكونه قصورا يعذر فيه إلا أن يكون قصر في شئ من مقدماته وليراجع في ذلك كتب الفقه.
قوله تعالى: " وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه " هيمنة الشئ على الشئ - على ما يتحصل من معناها - كون الشئ ذا سلطة على الشئ في حفظه ومراقبته وأنواع التصرف فيه، وهذا حال القرآن الذي وصفه الله تعالى بأنه تبيان كل شئ بالنسبة إلى ما بين يديه من الكتب السماوية: يحفظ منها الأصول الثابتة غير المتغيرة وينسخ منها ما ينبغي ان ينسخ من الفروع التي يمكن أن يتطرق إليها التغير والتبدل حتى يناسب حال الانسان بحسب سلوكه صراط الترقي والتكامل بمرور الزمان قال تعالى:
" ان هذا القرآن يهدى للتي هي أقوم " (أسرى: 9) وقال: " ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها " (البقرة: 106) وقال: " الذين يتبعون النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم