أقول: ورواه الشيخ في التهذيب والعياشي في تفسيره عن أبي إسحاق المدائني عنه صلى الله عليه وآله وسلم والروايات في هذه المعاني مستفيضة عن أئمة أهل البيت عليهم السلام وكذا روى ذلك بعدة طرق من طرق أهل السنة، وفي بعض رواياتهم أن الامام بالخيار إن شاء قتل وإن شاء صلب وإن شاء قطع الأيدي والأرجل من خلاف وإن شاء نفى، ونظيره ما وقع في بعض روايات الخاصة من كون الامام بالخيار كالذي رواه في الكافي مسندا عن جميل بن دراج عن الصادق عليه السلام: في الآية قال: فقلت: أي شئ عليهم من هذه الحدود التي سمى الله عز وجل؟ قال: ذلك إلى الامام إن شاء قطع، وإن شاء نفى، وإن شاء صلب، وإن شاء قتل: قلت: النفي إلى أين؟ قال عليه السلام ينفى من مصر إلى آخر، وقال إن عليا عليه السلام نفى رجلين من الكوفة إلى البصرة.
وتمام الكلام في الفقه غير أن الآية لا تخلو عن اشعار بالترتيب بين الحدود بحسب اختلاف مراتب الفساد فإن الترديد بين القتل والصلب والقطع والنفي - وهى أمور غير متعادلة ولا متوازنة بل مختلفة من حيث الشدة والضعف - قرينة عقلية على ذلك.
كما أن ظاهر الآية انها حدود للمحاربة والفساد فمن شهر سيفا وسعى في الأرض فسادا أو قتل نفسا فإنما يقتل لأنه محارب مفسد وليس ذلك قصاصا يقتص منه لقتل النفس المحترمة فلا يسقط القتل لو رضى أولياء المقتول بالدية كما رواه العياشي في تفسيره عن محمد ابن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام، وفيه: قال أبو عبيدة أصلحك الله أرأيت إن عفى عنه أولياء المقتول؟ فقال أبو جعفر عليه السلام: إن عفوا عنه فعلى الامام أن يقتله لأنه قد حارب وقتل وسرق، فقال أبو عبيدة: فإن أراد أولياء المقتول أن يأخذوا منه الدية ويدعونه ألهم ذلك؟ قال: لا، عليه القتل.
وفى الدر المنثور أخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن أبي الدنيا في كتاب الاشراف وابن جرير وابن أبي حاتم عن الشعبي قال: كان حارثة بن بدر التميمي من أهل البصرة قد أفسد في الأرض وحارب وكلم رجالا من قريش أن يستأمنوا له عليا فأبوا فأتى سعيد ابن قيس الهمداني فأتى عليا فقال: يا أمير المؤمنين ما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا؟ قال: أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ثم قال: إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم.
فقال سعيد: وان كان حارثة بن بدر، فقال سعيد: هذا حارثة بن بدر قد جاء تائبا