الآيات السابقة فإن السياق قد تجدد بقوله: " إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور ".
والحكم موجود في التوراة الدائرة على ما سيجئ نقله في البحث الروائي التالي إن شاء الله تعالى.
قوله تعالى: " فمن تصدق به فهو كفارة له " أي فمن عفى من أولياء القصاص كولى المقتول أو نفس المجني عليه والمجروح عن الجاني، ووهبه ما يملكه من القصاص فهو أي العفو كفارة لذنوب المتصدق أو كفارة عن الجاني في جنايته.
والظاهر من السياق ان الكلام في تقدير قولنا: فإن تصدق به من له القصاص فهو كفارة له، وإن لم يتصدق فليحكم صاحب الحكم بما أنزله الله من القصاص، ومن لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الظالمون.
وبذلك يظهر أولا: أن الواو في قوله: " ومن لم يحكم " للعطف على قوله:
" من تصدق " لا للاستيناف كما أن الفاء في قوله: " فمن تصدق " للتفريع: تفريع المفصل على المجمل، نظير قوله تعالى في آية القصاص: " فمن عفى له من أخيه شئ فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان " (البقرة: 178).
وثانيا: ان قوله: " ومن لم يحكم " من قبيل وضع العلة موضع معلولها والتقدير:
وان لم يتصدق فليحكم بما انزل الله فإن من لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الظالمون.
قوله تعالى: " وقفينا على آثارهم بعيسى بن مريم مصدقا لما بين يديه من التوراة " التقفية جعل الشئ خلف الشئ وهو مأخوذ من القفا، والآثار جمع أثر وهو ما يحصل من الشئ مما يدل عليه، ويغلب استعماله في الشكل الحاصل من القدم ممن يضرب في الأرض، والضمير في " آثارهم " للأنبياء.
فقوله: " وقفينا على آثارهم بعيسى بن مريم " استعارة بالكناية أريد بها الدلالة على أنه سلك به عليه السلام المسلك الذي سلكه من قبله من الأنبياء، وهو طريق الدعوة إلى التوحيد والاسلام لله.
وقوله: " مصدقا لما بين يديه من التوراة " تبيين لما تقدمه من الجملة وإشارة إلى أن دعوة عيسى هي دعوة موسى عليهما السلام من غير بينونة بينهما أصلا.
قوله تعالى: " وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور ومصدقا لما بين يديه من التوراة