المشركين عن أنفسهم، ولا يهتدون سبيلا يتخلصون بها عنهم فالمراد من السبيل على ما يفيده السياق أعم من السبيل الحسى كطريق المدينة لمن يريد المهاجرة إليها من مسلمى مكة، والسبيل المعنوي وهو كل ما يخلصهم من أيدي المشركين، واستضعافهم لهم بالعذاب والفتنة.
(كلام في المستضعف) يتبين بالآية أن الجهل بمعارف الدين إذا كان عن قصور وضعف ليس فيه صنع للانسان الجاهل كان عذرا عند الله سبحانه.
توضيحه: أن الله سبحانه يعد الجهل بالدين وكل ممنوعية عن إقامة شعائر الدين ظلما لا يناله العفو الإلهي، ثم يستثنى من ذلك المستضعفين ويقبل منهم معذرتهم بالاستضعاف ثم يعرفهم بما يعمهم وغيرهم من الوصف، وهو عدم تمكنهم مما يدفعون به المحذور عن أنفسهم، وهذا المعنى كما يتحقق فيمن أحيط به في أرض لا سبيل فيها إلى تلقى معارف الدين لعدم وجود عالم بها خبير بتفاصيلها، أو لا سبيل إلى العمل بمقتضى تلك المعارف للتشديد فيه بما لا يطاق من العذاب مع عدم الاستطاعة من الخروج والهجرة إلى دار الاسلام والالتحاق بالمسلمين لضعف في الفكر أو لمرض أو نقص في البدن أو لفقر مالى ونحو ذلك كذلك يتحقق فيمن لم ينتقل ذهنه إلى حق ثابت في المعارف الدينية ولم يهتد فكره إليه مع كونه ممن لا يعاند الحق ولا يستكبر عنه أصلا بل لو ظهر عنده حق اتبعه لكن خفى عنه الحق لشئ من العوامل المختلفة الموجبة لذلك.
فهذا مستضعف لا يستطيع حيلة ولا يهتدى سبيلا لا لأنه أعيت به المذاهب بكونه أحيط به من جهة أعداء الحق والدين بالسيف والسوط، بل إنما استضعفته عوامل أخر سلطت عليه الغفلة، ولا قدرة مع الغفلة، ولا سبيل مع هذا الجهل.
هذا ما يقتضيه إطلاق البيان في الآية الذي هو في معنى عموم العلة، وهو الذي يدل عليه غيرها من الآيات كقوله تعالى (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت) (البقرة: 286) فالامر المغفول عنه ليس في وسع الانسان كما أن الممنوع من الامر بما يمتنع معه ليس في وسع الانسان.