منها ولا تغيروها خوفا أو طمعا، أما خوفا فبأن تخشوا الناس وتنسوا ربكم بل الله فاخشوا حتى لا تخشوا الناس، وأما طمعا فبأن تشتروا بآيات الله ثمنا قليلا هو مال أو جاه دنيوي زائل باطل.
ويمكن أن يكون متفرعا على قوله: " بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء " بحسب المعنى لأنه في معنى أخذ الميثاق على الحفظ أي أخذنا منهم الميثاق على حفظ الكتاب وأشهدناهم عليه أن لا يغيروه ولا يخشوا في إظهاره غيري، ولا يشتروا بآياتي ثمنا قليلا، قال تعالى: " وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا " (آل عمران: 187) وقال تعالى: " فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون سيغفر لنا وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على الله إلا الحق ودرسوا ما فيه والدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون والذين يمسكون بالكتاب وأقاموا الصلاة إنا لا نضيع أجر المصلحين " (الأعراف: 170).
وهذا المعنى الثاني لعله أنسب وأوفق لما يتلوه من التأكيد والتشديد بقوله: " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ".
قوله تعالى: " وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس - إلى قوله - والجروح قصاص " السياق وخاصة بالنظر إلى قوله: " والجروح قصاص " يدل على أن المراد به بيان حكم القصاص في أقسام الجنايات من القتل والقطع والجرح، فالمقابلة الواقعة في قوله: " النفس بالنفس " وغيره إنما وقعت بين المقتص له والمقتص به والمراد به أن النفس تعادل النفس في باب القصاص، والعين تقابل العين والأنف الانف وهكذا والباء للمقابلة كما في قولك:
بعت هذا بهذا.
فيؤول معنى الجمل المتسقة إلى أن النفس تقتل بالنفس، والعين تفقا بالعين والأنف تجدع بالأنف، والاذن تصلم بالاذن، والسن تقلع بالسن والجروح ذوات قصاص، وبالجملة إن كلا من النفس وأعضاء الانسان مقتص بمثله.
ولعل هذا هو مراد من قدر في قوله: " النفس بالنفس " ان النفس مقتصة أو مقتولة بالنفس وهكذا وإلا فالتقدير بمعزل عن الحاجة، والجمل تامة من دونه والظرف لغو.
والآية لا تخلو من إشعار بأن هذا الحكم غير الحكم الذي حكموا فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتذكره