كل اثم بما يتعقبه من العذاب ينبه في نفوسهم غريزة الخوف من الله تعالى، ولا يخليهم وان يرتكبوا ظلما يوردهم مورد الهلكة.
ثم ذكر تأويل قوله: " لئن بسطت إلى يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي " (الخ) بمعنى حقيقة هذا الذي أخبر به، ومحصله أن الامر على هذا التقدير يدور بين أن يقتل هو أخاه فيكون هو الظالم الحامل للإثم الداخل في النار، أو يقتله أخوه فيكون هو كذلك، وليس يختار قتل أخيه الظالم على سعادة نفسه وليس بظالم، بل يختار أن يشقى أخوه الظالم بقتله ويسعد هو وليس بظالم، وهذا هو المراد بقوله: " إني أريد، الخ " كنى بالإرادة عن الاختيار على تقدير دوران الامر.
فالآية في كونها تأويلا لقوله: " لئن بسطت إلى يدك " (الخ) كالذي وقع في قصة موسى وصاحبه حين قتل غلاما لقياه فاعترض عليه موسى بقوله: " أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا " فنبأه صاحبه بتأويل ما فعل بقوله: " وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما " (الكهف: 81).
فقد أراد المقتول أي اختار الموت مع السعادة وإن استلزم شقاء أخيه بسوء اختياره على الحياة مع الشقاء والدخول في حزب الظالمين، كما اختار صاحب موسى موت الغلام مع السعادة وإن استلزم الحزن والاسى من أبويه على حياته وصيرورته طاغيا كافرا يضل بنفسه ويضل أبويه، والله يعوضهما منه من هو خير منه زكاة وأقرب رحما.
والرجل أعني ابن آدم المقتول من المتقين العلماء بالله، أما كونه من المتقين فلقوله:
" إنما يتقبل الله من المتقين " المتضمن لدعوى التقوى، وقد أمضاها الله تعالى بنقله من غير رد، وأما كونه من العلماء بالله فلقوله: " إني أخاف الله رب العالمين " فقد ادعى مخافة الله وأمضاها الله سبحانه منه، وقد قال تعالى: " إنما يخشى الله من عباده العلماء " (فاطر:
28) فحكايته تعالى قوله: " إني أخاف الله رب العالمين " وإمضاؤه له توصيف له بالعلم كما وصف صاحب موسى أيضا بالعلم إذ قال: " وعلمناه من لدنا علما " (الكهف: 65).
وكفى له علما ما خاطب به أخاه الباغي عليه من الحكمة البالغة والموعظة الحسنة فإنه بين عن طهارة طينته وصفاء فطرته: أن البشر ستكثر عدتهم ثم تختلف بحسب الطبع البشرى