تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٥ - الصفحة ٣٠٢
كل اثم بما يتعقبه من العذاب ينبه في نفوسهم غريزة الخوف من الله تعالى، ولا يخليهم وان يرتكبوا ظلما يوردهم مورد الهلكة.
ثم ذكر تأويل قوله: " لئن بسطت إلى يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي " (الخ) بمعنى حقيقة هذا الذي أخبر به، ومحصله أن الامر على هذا التقدير يدور بين أن يقتل هو أخاه فيكون هو الظالم الحامل للإثم الداخل في النار، أو يقتله أخوه فيكون هو كذلك، وليس يختار قتل أخيه الظالم على سعادة نفسه وليس بظالم، بل يختار أن يشقى أخوه الظالم بقتله ويسعد هو وليس بظالم، وهذا هو المراد بقوله: " إني أريد، الخ " كنى بالإرادة عن الاختيار على تقدير دوران الامر.
فالآية في كونها تأويلا لقوله: " لئن بسطت إلى يدك " (الخ) كالذي وقع في قصة موسى وصاحبه حين قتل غلاما لقياه فاعترض عليه موسى بقوله: " أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا " فنبأه صاحبه بتأويل ما فعل بقوله: " وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما " (الكهف: 81).
فقد أراد المقتول أي اختار الموت مع السعادة وإن استلزم شقاء أخيه بسوء اختياره على الحياة مع الشقاء والدخول في حزب الظالمين، كما اختار صاحب موسى موت الغلام مع السعادة وإن استلزم الحزن والاسى من أبويه على حياته وصيرورته طاغيا كافرا يضل بنفسه ويضل أبويه، والله يعوضهما منه من هو خير منه زكاة وأقرب رحما.
والرجل أعني ابن آدم المقتول من المتقين العلماء بالله، أما كونه من المتقين فلقوله:
" إنما يتقبل الله من المتقين " المتضمن لدعوى التقوى، وقد أمضاها الله تعالى بنقله من غير رد، وأما كونه من العلماء بالله فلقوله: " إني أخاف الله رب العالمين " فقد ادعى مخافة الله وأمضاها الله سبحانه منه، وقد قال تعالى: " إنما يخشى الله من عباده العلماء " (فاطر:
28) فحكايته تعالى قوله: " إني أخاف الله رب العالمين " وإمضاؤه له توصيف له بالعلم كما وصف صاحب موسى أيضا بالعلم إذ قال: " وعلمناه من لدنا علما " (الكهف: 65).
وكفى له علما ما خاطب به أخاه الباغي عليه من الحكمة البالغة والموعظة الحسنة فإنه بين عن طهارة طينته وصفاء فطرته: أن البشر ستكثر عدتهم ثم تختلف بحسب الطبع البشرى
(٣٠٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 297 298 299 300 301 302 303 304 305 306 307 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 سورة النساء 5
2 (77 - 80) كلام في استناد الحسنات والسيئات إليه تعالى. (بحث قرآني) 9
3 (85 - 91) في معنى التحية. (بحث قرآني) 31
4 (95 - 100) في المستضعف. (بحث قرآني) 51
5 (105 - 126) في معنى العصمة. (بحث قرآني) 78
6 سورة المائدة 156
7 (1 - 3) في معنى العقد. (بحث قرآني) 158
8 بحث علمي في فصول ثلاثة: (1 - 3) 1 - العقائد في اكل اللحم. (بحث علمي) 183
9 (1 - 3) 2 - كيف امر بقتل الحيوان والرحمة تأباه؟ (بحث علمي) 184
10 (1 - 3) 3 - لماذا بني الاسلام على التذكية؟ (بحث علمي) 187
11 (15 - 19) كلام في طريق التفكر الذي يهدي إليه القرآن (بحث مختلط قرآني وروائي) 254
12 (15 - 19) في تاريخ التفكر الاسلامي اجمالا. (بحث تاريخي) 271
13 (27 - 32) كلام في معنى الاحساس والتفكير. (بحث قرآني) 308
14 (27 - 32) في تطبيق قصة ابني آدم على ما في التوراة. (بحث علمي) 323
15 (41 - 50) كلام في معنى الشريعة والفرق بينها وبين الدين والملة في عرف القرآن. (بحث قرآني) 350
16 (51 - 54) كلام في معنى مرض القلب. (بحث قرآني) 377
17 (51 - 54) كلام في كليات حوادث آخر الزمان. (بحث قرآني وروائي) 390