من بني إسرائيل، وقد كانوا أهل حضارة ومدينة بحسب حالهم في قوميتهم لا يخفى على أحدهم أمثال هذه الأمور قطعا.
وأما ثالثا فلان قوله: ولذلك قال تعالى بعد تمام القصة - من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل، يريد به الجواب عن سؤال اورد على الآية، وهو أنه ما وجه اختصاص الكتابة ببني إسرائيل مع أن الذي تقتضيه القصة - وهو الذي كتبه الله - يعم حال جميع البشر، من قتل منهم نفسا فكأنما قتل الناس جميعا، ومن أحيا منهم نفسا فكأنما أحيا الناس جميعا؟.
فأجاب القائل بقوله: ولذلك قال تعالى (الخ) أن القاتل والمقتول لم يكونا ابني آدم أبى البشر حتى تكون قصتهما مشتملة على حادثة من الحوادث الاوليه بين النوع الانساني فيكون عبرة يعتبر بها كل من جاء بعدهما، وإنما هما ابنا رجل من بني إسرائيل، وكان نبأهما من الاخبار القومية الخاصة، ولذلك أخذ عبرة مكتوبة لخصوص بني إسرائيل.
لكن ذلك لا يحسم مادة الاشكال فإن السؤال بعد باق على حاله فإن كون قتل الواحد بمنزلة قتل الجميع وإحياء الواحد بمنزلة إحياء الجميع معنى يرتبط بكل قتل وقع بين هذا النوع من غير اختصاصه ببعض دون بعض، وقد وقع ما لا يحصى من القتل قبل بني إسرائيل، وقبل هذا القتل الذي يشير إليه، فما باله رتب على قتل خاص وكتب على قوم خاص؟.
على أن الامر لو كان كما يقول كان الأحسن أن يقال: من قتل منكم نفسا (الخ) ليكون خاصا بهم، ثم يعود السؤال في هذا التخصيص مع عدم استقامته في نفسه.
والجواب عن أصل الاشكال ان الذي يشتمل عليه قوله: " أن من قتل نفسا بغير نفس (الآية) حكمة بالغة وليس بحكم مشرع فالمراد بالكتابة عليهم بيان هذه الحكمة لهم مع عموم فائدتها لهم ولغيرهم كالحكم والمواعظ التي بينت في القرآن لامة النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع عدم انحصار فائدتها فيهم. وإنما ذكر في الآية أنه بينه لهم لان الآيات مسوقة لعظتهم وتنبيههم وتوبيخهم على ما حسدوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصروا في العناد واشعال نار الفتن والتسبيب إلى القتال ومباشرة الحروب على المسلمين، ولذلك ذيل قوله: " من قتل نفسا " (الخ) بقوله: " ولقد جاءتهم رسلنا بالبينات ثم إن كثيرا منهم بعد ذلك في الأرض لمسرفون "