انما قال ذلك حسدا من نفسه إذ لم يكن هناك سبب آخر، ولا أن المقتول كان قد أجرم اجراما باختيار منه حتى يواجه بمثل هذا القول ويهدد بالقتل.
فقول القاتل: " لأقتلنك " تهديد بالقتل حسدا لقبول قربان المقتول دون القاتل فقول المقتول: " إنما يتقبل الله من المتقين " إلى آخر ما حكى الله تعالى عنه جواب عما قاله القاتل فيذكر له أولا: أن مسألة قبول القربان وعدم قبوله لا صنع له في ذلك ولا اجرام، وانما الاجرام من قبل القاتل حيث لم يتق الله فجازاه الله بعدم قبول قربانه.
وثانيا: أن القاتل لو أراد قتله وبسط إليه يده لذلك ما هو بباسط يده إليه ليقتله لتقواه وخوفه من الله سبحانه، وانما يريد على هذا التقدير أن يرجع القاتل وهو يحمل اثم المقتول واثم نفسه فيكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين.
فقوله: " انما يتقبل الله من المتقين " مسوق لقصر الافراد للدلالة على أن التقبل لا يشمل قربان التقى وغير التقى جميعا، أو لقصر القلب كأن القاتل كان يزعم أنه سيتقبل قربانه دون قربان المقتول زعما منه ان الامر لا يدور مدار التقوى أو أن الله سبحانه غير عالم بحقيقة الحال، يمكن أن يشتبه عليه الامر كما ربما يشتبه على الانسان.
وفى الكلام بيان لحقيقة الامر في تقبل العبادات والقرابين، وموعظة وبلاغ في أمر القتل والظلم والحسد، وثبوت المجازاة الإلهية وأن ذلك من لوازم ربوبية رب العالمين فإن الربوبية لا تتم الا بنظام متقن بين أجزاء العالم يؤدى إلى تقدير الأعمال بميزان العدل، وجزاء الظلم بالعذاب الأليم ليرتدع الظالم عن ظلمه أو يجزى بجزائه الذي أعده لنفسه وهو النار.
قوله تعالى: " لئن بسطت إلى يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك " (الخ) اللام للقسم، وبسط اليد إليه كناية عن الاخذ بمقدمات القتل واعمال أسبابه، وقد اتى في جواب الشرط بالنفي الوارد على الجملة الاسمية، وبالصفة (بباسط) دون الفعل واكد النفي بالباء ثم الكلام بالقسم، كل ذلك للدلالة على أنه بمراحل من البعد من إرادة قتل أخيه، لايهم به ولا يخطر بباله.
واكد ذلك كله بتعليل ما ادعاه من قوله: " ما انا بباسط يدي " (الخ) بقوله:
" انى أخاف الله رب العالمين " فإن ذكر المتقين لربهم وهو الله رب العالمين الذي يجازى في