نظير ما ربما يتفق ان الرامي لا يصيب الهدف في رميته فإن آلة الرمي وسائر شرائطه موضوعة بالطبع للإصابة الا ان الاستعمال يوقعها في الغلط، والسكاكين والمناشير والمثاقب والابر وأمثالها إذا عبئت في الماكينات تعبئة معوجة تعمل عملها الذي فطرت عليه بعينه من قطع أو نشر أو ثقب وغير ذلك لكن لا على الوجه المقصود، واما الانحراف عن العمل الفطري كأن يخاط بنشر المنشار، بأن يعوض المنشار فعل الابرة من فعل نفسه، فيضع الخياطة موضع النشر، فمن المحال ذلك.
وهذا ظاهر لمن تأمل عامة ما استدل به القوم على صحة طريقهم كقولهم: ان الأبحاث العقلية المحضة والقياسات المؤلفة من مقدمات بعيدة من الحس يكثر وقوع الخطأ فيها كما يدل عليه كثرة الاختلافات في المسائل العقلية المحضة فلا ينبغي الاعتماد عليها لعدم اطمينان النفس إليها.
وقولهم في الاستدلال على صحة طريق الحس والتجربة: ان الحس آلة لنيل خواص الأشياء بالضرورة، وإذا أحس بأثر في موضوع من الموضوعات على شرائط مخصوصة ثم تكرر مشاهدة الأثر معه مع حفظ تلك الشرائط بعينها من غير تخلف واختلاف كشف ذلك عن أن هذا الأثر خاصة الموضوع من غير اتفاق لان الاتفاق لا يدوم البتة.
والدليلان كما ترى سيقا لاثبات وجوب الاعتماد على الحس والتجربة ورفض السلوك العقلي المحض مع كون المقدمات المأخوذة فيهما جميعا مقدمات عقلية خارجة عن الحس والتجربة ثم أريد بالأخذ بهذه المقدمات العقلية إبطال الاخذ بها، وهذا هو الذي تقدم أن الفطرة لن تبطل البتة وإنما يغلط الانسان في كيفية استعمالها!.
وأفحش من ذلك استعمال التجربة في تشخيص الاحكام المشرعة والقوانين الموضوعة كأن يوضع حكم ثم يجرى بين الناس يختبر بذلك حسن أثره بإحصاء ونحوه فإن غلب على موارد جريانه حسن النتيجة أخذ حكما ثابتا جاريا وإلا ألقى في جانب وأخذ آخر كذلك وهكذا، ونظيره فيه جعل الحكم بقياس أو استحسان (1). والقرآن يبطل ذلك كله بإثبات أن الاحكام المشرعة فطرية بينة، والتقوى والفجور