على أن أصل القصة على النحو الذي ذكره لا مأخذ له رواية ولا تاريخا.
فتبين ان قوله: " نبأ ابني آدم بالحق " يراد به قصة ابني آدم أبى البشر، وتقييد الكلام بقوله: " بالحق " - وهو متعلق بالنبأ أو بقوله " واتل " لا يخلو عن اشعار أو دلالة على أن المعروف الدائر بينهم من النبأ لا يخلو من تحريف وسقط، وهو كذلك فإن القصة موجودة في الفصل الرابع من سفر التكوين من التوراة، وليس فيها خبر بعث الغراب وبحثه في الأرض، والقصة مع ذلك صريحة في تجسم الرب تعالى عن ذلك علوا كبيرا.
وقوله: " إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الاخر " ظاهر السياق أن كل واحد منهما قدم إلى الرب تعالى شيئا يتقرب به " وإنما لم يثن لفظ القربان لكونه في الأصل مصدرا لا يثنى ولا يجمع.
وقوله: " قال لأقتلنك قال انما يتقبل الله من المتقين " القائل الأول هو القاتل والثاني هو المقتول، وسياق الكلام يدل على أنهما علما تقبل قربان أحدهما وعدم تقبله من الاخر، وأما أنهما من أين علما ذلك؟ أو بأي طريق استدلوا عليه؟ فالآية ساكتة عن ذلك.
غير أنه ذكر في موضع من كلامه تعالى: انه كان من المعهود عند الأمم السابقة أو عند بني إسرائيل خاصة تقبل القربان المتقرب به بأكل النار إياه قال تعالى: " الذين قالوا إن الله عهد إلينا أن لا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار قل قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات وبالذي قلتم فلم قتلتموهم ان كنتم صادقين " (آل عمران: 183) والقربان معروف عند أهل الكتاب إلى هذا اليوم (1) فمن الممكن أن يكون التقبل للقربان في هذه القصة أيضا على ذلك النحو، وخاصة بالنظر إلى القاء القصة إلى أهل الكتاب المعتقدين لذلك، وكيف كان فالقاتل والمقتول جميعا كانا يعلمان قبوله من أحدهما ورده من الاخر.
ثم السياق يدل أيضا على أن القائل " لأقتلنك " هو الذي لم يتقبل قربانه، وأنه