جماعتهم فيكون منهم متقون وآخرون ظالمون، وأن لهم جميعا ولجميع العالمين ربا واحدا يملكهم ويدبر أمرهم، وأن من التدبير المتقن أن يحب ويرتضى العدل والاحسان، ويكره ويسخط الظلم والعدوان ولازمه وجوب التقوى و مخافة الله على الانسان وهو الدين، فهناك طاعات وقربات ومعاصي ومظالم، وأن الطاعات والقربات إنما تتقبل إذا كانت عن تقوى، وأن المعاصي والمظالم آثام يحملها الظالم، ومن لوازمه أن تكون هناك نشأة أخرى فيها الجزاء، وجزاء الظالمين النار.
وهذه - كما ترى - أصول المعارف الدينية ومجامع علوم المبدء والمعاد أفاضها هذا العبد الصالح إفاضة ضافية لأخيه الجاهل الذي لم يكن يعرف أن الشئ يمكن أن يتوارى عن الانظار بالدفن حتى تعلمه من الغراب، وهو لم يقل لأخيه حينما كلمه: إنك إن أردت أن تقتلني ألقيت نفسي بين يديك ولم أدافع عن نفسي ولا أتقى القتل، وإنما قال: ما كنت لأقتلك.
ولم يقل: إني أريد أن أقتل بيدك على أي تقدير لتكون ظالما فتكون من أصحاب النار فإن التسبيب إلى ضلال أحد وشقائه في حياته ظلم وضلال في شريعة الفطرة من غير اختصاص بشرع دون شرع، وإنما قال: إني أريد ذلك وأختاره على تقدير بسطك يدك لقتلى.
ومن هنا يظهر اندفاع ما أورد على القصة: أنه كما أن القاتل منهما أفرط بالظلم والتعدي كذلك المقتول قصر بالتفريط والانظلام حيث لم يخاطبه ولم يقابله بالدفاع عن نفسه بل سلم له أمر نفسه وطاوعه في إرادة قتله حيث قال له: " لئن بسطت إلى يدك " (الخ).
وجه الاندفاع أنه، لم يقل: إني لا أدافع عن نفسي وأدعك وما تريد منى وإنما قال:
لست أريد قتلك، ولم يذكر في الآية أنه قتل ولم يدافع عن نفسه على علم منه بالامر فلعله قتله غيلة أو قتله وهو يدافع أو يحترز.
وكذا ما أورد عليها أنه ذكر إرادته تمكين أخيه من قتله ليشقى بالعذاب الخالد ليكون هو بذلك سعيدا حيث قال: " إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار " كبعض المتقشفين من أهل العبادة والورع حيث يرى أن الذي عليه هو التزهد والتعبد، وإن ظلمه ظالم أو تعدى عليه متعد حمل الظالم وزر ظلمه، وليس عليه من الدفاع عن حقه إلا الصبر والاحتساب. وهذا من الجهل، فإنه من الإعانة على الاثم،