للظالم، وإنما تزر وازرته وزر نفسها لا وزر غيرها، لأنها تملكتها من الغير بما أوقعته عليه من الظلم والشر نظير ما يبتاع الانسان ما يملكه غيره بثمن، فكما أن تصرفات المالك الجديد لا تمنع لكون المالك الأول مالكا للعين زمانا لانتقالها إلى غيره ملكا، كذلك لا يمنع قوله: " لا تزر وازرة وزر أخرى " مؤاخذة النفس القاتلة بسيئة بمجرد أن النفس الوازرة كانت غيرها زمانا، ولا أن قوله: " لا تزر وازرة وزر أخرى " يبقى بلا فائدة ولا أثر بسبب جواز انتقال الوزر بسبب جديد كما لا يبقى قوله عليه السلام: " لا يحل مال امرء مسلم إلا بطيب نفسه " بلا فائدة بتجويز انتقال الملك ببيع ونحوه.
وقد ذكر بعض المفسرين: أن المراد بقوله: " بإثمي وإثمك " بإثم قتلى إن قتلتني وإثمك الذي كنت أثمته قبل ذلك كما نقل عن ابن مسعود وابن عباس وغيرهما، أو أن المراد بإثم قتلى وإثمك الذي لم يتقبل من أجله قربانك كما نقل عن الجبائي والزجاج، أو أن معناه بإثم قتلى وإثمك الذي هو قتل جميع الناس كما نقل عن آخرين.
وهذه وجوه ذكروها ليس على شئ منها من جهة اللفظ دليل، ولا يساعد عليه اعتبار.
على أن المقابلة بين الاثمين مع كونهما جميعا للقاتل ثم تسمية أحدهما بإثم المقتول وغيره بإثم القاتل خالية عن الوجه.
قوله تعالى: " فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين " قال الراغب في مفرداته: الطوع الانقياد ويضاده الكره، والطاعة مثله لكن أكثر ما يقال في الايتمار لما أمر والارتسام فيما رسم، وقوله: فطوعت له نفسه نحو أسمحت له قرينته وانقادت له وسولت، وطوعت أبلغ من أطاعت وطوعت له نفسه بإزاء قولهم: تأبت عن كذا نفسه. انتهى ملخصا. وليس مراده أن طوعت مضمن معنى انقادت أو سولت بل يريد ان التطويع يدل على التدريج كالاطاعة على الدفعة، كما هو الغالب في بابي الافعال والتفعيل فالتطويع في الآية اقتراب تدريجي للنفس من الفعل بوسوسة بعد وسوسة وهمامة بعد همامة تنقاد لها حتى تتم لها الطاعة الكاملة فالمعنى: انقادت له نفسه وأطاعت امره إياها بقتل أخيه طاعة تدريجية، فقوله: " قتل أخيه " من وضع المأمور به موضع الامر كقولهم، أطاع كذا في موضع: أطاع الامر بكذا.