فظهر أن المراد بالجبارين هم أولوا السطوة والقوة من الذين يجبرون الناس على ما يريدون.
وقوله: " وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها " اشتراط منهم خروج القوم الجبارين في دخول الأرض، وحقيقته الرد لأمر موسى وإن وعدوه ثانيا الدخول على الشرط بقولهم:
" فإن يخرجوا منها فإنا داخلون ".
وقد ورد في عدة من الاخبار في صفة هؤلاء الجبارين من العمالقة وعظم أجسامهم وطول قامتهم أمور عجيبة لا يستطيع ذو عقل سليم أن يصدقها، ولا يوجد في الآثار الأرضية والابحاث الطبيعية ما يؤيدها فليست إلا موضوعة مدسوسة.
قوله تعالى: " قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما " (إلى آخر الآية) ظاهر السياق أن المراد بالمخافة مخافة الله سبحانه وأن هناك رجالا كانوا يخافون الله أن يعصوا أمره وأمر نبيه، ومنهم هذان الرجلان اللذان قالا ما قالا، وأنهما كانا يختصان من بين أولئك الذين يخافون بأن الله أنعم عليهما، وقد مر في موارد تقدمت من الكتاب أن النعمة إذا أطلقت في عرف القرآن يراد بها الولاية الإلهية فهما كانا من أولياء الله تعالى، وهذا في نفسه قرينة على أن المراد بالمخافة مخافة الله سبحانه فإن أولياء الله لا يخشون غيره قال تعالى: " ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون " (يونس: 62).
ويمكن أن يكون متعلق " أنعم " المحذوف أعني المنعم به هو الخوف فيكون المراد أن الله أنعم عليهما بمخافته، ويكون حذف مفعول " يخافون " للاكتفاء بذكره في قوله:
" أنعم الله عليهما " إذ من المعلوم أن مخافتهما لم يكن من أولئك القوم الجبارين والا لم يدعو بني إسرائيل إلى الدخول بقولهما: " ادخلوا عليهم الباب ".
وذكر بعض المفسرين: أن ضمير الجمع في " يخافون " عائد إلى بني إسرائيل والضمير العائد إلى الموصول محذوف، والمعنى: وقال رجلان من الذين يخافهم بنو إسرائيل قد أنعم الله على الرجلين بالاسلام، وأيدوه بما نسب إلى ابن جبير من قراءة " يخافون " بضم الياء قالوا.
وذلك أن رجلين من العمالقة كانا قد آمنا بموسى، ولحقا بني إسرائيل ثم قالا لبني إسرائيل ما قالا إراءة لطريق الظفر على العمالقة والاستيلاء على بلادهم وأرضهم.
وكان هذا التفسير باستناد منهم إلى بعض الأخبار الواردة في تفسير الآيات لكنه من