قوله في آخرها: " فإنها محرمة عليهم أربعين سنة " بل يؤكده فإن قوله: " كتب الله لكم كلام " مجمل أبهم فيه ذكر الوقت وحتى الاشخاص، فإن الخطاب للأمة من غير تعرض لحال الافراد والاشخاص كما قيل: ان السامعين لهذا الخطاب الحاضرين المكلفين به ماتوا وفنوا عن آخرهم في التيه، ولم يدخل الأرض المقدسة الا أبناءهم وأبناء أبنائهم مع يوشع بن نون، وبالجملة لا يخلو قوله: " فإنها محرمة عليهم أربعين سنة " عن اشعار بأنها مكتوبة لهم بعد ذلك.
وهذه الكتابة هي التي يدل عليها قوله تعالى: " ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الأرض " (القصص: 6) وقد كان موسى عليه السلام يرجو لهم ذلك بشرط الاستعانة بالله والصبر حيث يقول: " قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا ان الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا قال عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون " (الأعراف: 129).
وهذا هو الذي يخبر تعالى عن انجازه بقوله: " وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا " (الأعراف: 137) فدلت الآية على أن استيلاءهم على الأرض المقدسة وتوطنهم فيها كانت كلمة الهية وكتابا وقضاء مقضيا مشترطا بالصبر على الطاعة وعن المعصية، وفي مر الحوادث.
وانما عممنا الصبر لمكان اطلاق الآية، ولان الحوادث الشاقة كانت تتراكم عليهم أيام موسى ومعها الأوامر والنواهي الإلهية، وكلما أصروا على المعصية اشتدت عليهم التكاليف الشاقة كما تدل على ذلك أخبارهم المذكورة في القرآن الكريم.
وهذا هو الظاهر من القرآن في معنى كتابة الأرض المقدسة لهم، والآيات مع ذلك مبهمة في زمان الكتابة ومقدارها غير أن قوله تعالى في ذيل آيات سورة الإسراء: " وإن عدتم عدنا وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا " (أسرى: 8) وكذا قول موسى لهم في ذيل الآية السابقة: " عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف