78) وأما العلوم العملية وهى التي تجرى فيما ينبغي أن يعمل وما لا ينبغي فإنما هي بالهام من الله سبحانه من غير أن يوجدها حس أو عقل نظري، قال تعالى: " ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها " (الشمس: 10) وقال:
" فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم " (الروم: 30) فعد العلم بما ينبغي فعله وهو الحسنة وما لا ينبغي فعله وهو السيئة مما يحصل له بالالهام الإلهي وهو القذف في القلب.
فجميع ما يحصل للانسان من العلم إنما هي هداية إلهية وبهداية إلهية، غير أنها مختلفة بحسب النوع: فما كان من خواص الأشياء الخارجية فالطريق الذي يهدى به الله سبحانه الانسان هو طريق الحس، وما كان من العلوم الكلية الفكرية فإنما هي بإعطاء وتسخير إلهي من غير أن يبطله وجود الحس أو يستغنى الانسان عنها في حال من الأحوال، وما كان من العلوم العملية المتعلقة بصلاح الأعمال وفسادها وما هو تقوى أو فجور فإنما هي بالهام الهى بالقذف في القلوب وقرع باب الفطرة.
والقسم الثالث الذي يرجع بحسب الأصل إلى الهام الهى انما ينجح في عمله ويتم في أثره إذا صلح القسم الثاني ونشأ على صحة واستقامة كما أن العقل أيضا أنما يستقيم في عمله إذا استقام الانسان في تقواه ودينه الفطري، قال تعالى: " وما يذكر إلا أولوا الألباب) (آل عمران: 7) وقال تعالى: " وما يتذكر الا من ينيب " (غافر: 13) وقال تعالى:
" ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة " (الانعام: 110) وقال تعالى:
" ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه " (البقرة: 130) أي لا يترك مقتضيات الفطرة إلا من فسد عقله فسلك غير سبيله.
والاعتبار يساعد هذا التلازم الذي بين العقل والتقوى، فإن الانسان إذا أصيب في قوته النظرية فلم يدرك الحق حقا أو لم يدرك الباطل باطلا فكيف يلهم بلزوم هذا أو اجتناب ذاك؟ كمن يرى أن ليس وراء الحياة المادية المعجلة شئ فإنه لا يلهم التقوى الديني الذي هو خير زاد للعيشة الآخرة.
وكذلك الانسان إذا فسد دينه الفطري ولم يتزود من التقوى الديني لم تعتدل قواه الداخلية المحسة من شهوة أو غضب أو محبة أو كراهة وغيرها، ومع اختلال أمر هذه