والتصريح بقوله: " وما بينهما " مع أن القرآن كثيرا ما يعبر عن عالم الخلقة بالسماوات والأرض فقط إنما هو ليكون الكلام أقرب من التصريح، وأسلم من ورود التوهمات والشبهات فليس لمتوهم أن يتوهم أنه إنما ذكر السماوات والأرض ولم يذكر ما بينهما، ومورد الكلام مما بينهما.
وتقديم الخبر أعني قوله: " ولله " للدلالة على الحصر، وبذلك يتم البيان، والمعنى:
كيف يمكن أن يمنع مانع من إرادته تعالى إهلاك المسيح وغيره ووقوع ما أراده من ذلك، والملك والسلطنة المطلقة في السماوات والأرض وما بينهما لله تعالى لا ملك لاحد سواه؟
فلا مانع من نفوذ حكمه ومضى أمره.
وقوله: " يخلق ما يشاء وهو على كل شئ قدير " في مقام التعليل للجملة السابقة عليه أعني قوله: " ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما " فإن الملك - بضم الميم - وهو نوع سلطنة ومالكية على سلطنة الناس وما يملكونه إنما يتقوم بشمول القدرة ونفوذ المشيئة، ولله سبحانه ذلك في جميع السماوات والأرض وما بينهما، فله القدرة على كل شئ وهو يخلق ما يشاء من الأشياء فله الملك المطلق في السماوات والأرض وما بينهما فخلقه ما يشاء وقدرته على كل شئ هو البرهان على ملكه كما أن ملكه هو البرهان على أن له أن يريد إهلاك الجميع ثم يمضى إرادته لو أراد، وهو البرهان على أنه لا يشاركه أحد منهم في ألوهيته.
وأما البرهان على نفوذ مشيته وشمول قدرته فهو أنه الله عز اسمه، ولعله لذلك كرر لفظ الجلالة في الآية مرات فقد آل فرض الألوهية في شئ إلى أنه لا شريك له في ألوهيته.
قوله تعالى: " وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه " لا ريب أنهم لم يكونوا يدعون النبوة الحقيقية كما يدعيه معظم النصارى للمسيح عليه السلام فلا اليهود كانت تدعى ذلك حقيقة ولا النصارى، وإنما كانوا يطلقونها على أنفسهم إطلاقا تشريفيا بنوع من التجوز، وقد ورد في كتبهم المقدسة هذا الاطلاق كثيرا كما في حق آدم (1) ويعقوب (2) وداود (3)