(الفتح: 29) وكبيانه صلى الله عليه وآله وسلم حكم الرجل الذي كتموه وكابروا فيه الحق على ما يشير إليه قوله تعالى فيما سيأتي: " لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر " الآيات (المائدة: 41) وهذا الحكم أعني حكم الرجم موجود الان في الأصحاح الثاني والعشرين من سفر التثنية من التوراة الدائرة بينهم.
وأما عفوه عن كثير فهو تركه كثيرا مما كانوا يخفونه من الكتاب، ويشهد بذلك الاختلاف الموجود في الكتابين، كاشتمال التوراة على أمور في التوحيد والنبوة لا يصح استنادها إليه تعالى كالتجسم والحلول في المكان ونحو ذلك، وما لا يجوز العقل نسبته إلى الأنبياء الكرام من أنواع الكفر والفجور والزلات، وكفقدان التوراة ذكر المعاد من رأس ولا يقوم دين على ساق إلا بمعاد، وكاشتمال ما عندهم من الأناجيل ولا سيما إنجيل يوحنا على عقائد الوثنية.
قوله تعالى: " قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين " ظاهر قوله: " قد جاءكم من الله " كون هذا الجائى قائما به تعالى نحو قيام كقيام البيان أو الكلام بالمبين والمتكلم وهذا يؤيد كون المراد بالنور هو القرآن، وعلى هذا فيكون قوله: " وكتاب مبين " معطوفا عليه عطف تفسير، والمراد بالنور والكتاب المبين جميعا القرآن، وقد سمى الله تعالى القرآن نورا في موارد من كلامه كقوله تعالى: " واتبعوا النور الذي أنزل معه " (الأعراف:
157) وقوله: " فآمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزلنا " (التغابن: 8) وقوله:
" وأنزلنا إليكم نورا مبينا " (النساء: 174).
ومن المحتمل أن يكون المراد بالنور النبي صلى الله عليه وآله وسلم على ما ربما أفاده صدر الكلام في الآية، وقد عده الله تعالى نورا في قوله: " وسراجا منيرا " (الأحزاب: 46).
قوله تعالى: " يهدى به الله من اتبع رضوانه سبل السلام " الباء في قوله: " به " للالة والضمير عائد إلى الكتاب أو إلى النور سواء أريد به النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو القرآن فمآل الجميع واحد فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أحد الأسباب الظاهرية في مرحلة الهداية، وكذا القرآن وحقيقة الهداية قائمة به قال تعالى: " انك لا تهدى من أحببت ولكن الله يهدى من يشاء " (القصص: 56)، وقال: " وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدرى ما الكتاب ولا الايمان ولكن جعلناه نورا نهدى به من نشاء من عبادنا وانك لتهدى إلى