مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزى الله الشاكرين " (آل عمران: 144)، وقال تعالى: " ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوء يجز به ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا " (النساء: 123).
وفي الآية أعني قوله: " قل فلم يعذبكم بذنوبكم " وجه آخر وهو أن يكون المراد بالعذاب الأخروي، والمضارع (يعذبكم) بمعنى الاستقبال دون الاستمرار كما في الوجه السابق فإن أهل الكتاب معترفون بالعذاب بحذاء ذنوبهم في الجملة: أما اليهود فقد نقل القرآن عنهم قولهم: " لن تمسنا النار إلا أياما معدودة " (البقرة: 80) وأما النصارى فإنهم وإن قالوا بالفداء لمغفرة الذنوب لكنه إثبات في نفسه للذنوب والعذاب الذي أصاب المسيح بالصلب والأناجيل مع ذلك تثبت ذنوبا كالزنا ونحوه، و الكنيسة كانت تثبته عملا بما كانت تصدره من صكوك المغفرة. هذا. لكن الوجه هو الأول.
قوله تعالى: " بل أنتم بشر ممن خلق يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما واليه المصير " حجة ثانية مسوقة على نحو المعارضة محصلها:
أن النظر في حقيقتكم يؤدى إلى بطلان دعواكم أنكم أبناء الله وأحباؤه، فإنكم بشر من جملة من خلقه الله من بشر أو غيره لا تمتازون عن سائر من خلقه الله منهم، ولا يزيد أحد من الخليقة من السماوات والأرض وما بينهما على أنه مخلوق لله الذي هو المليك الحاكم فيه وفي غيره بما شاء وكيفما شاء وسيصير إلى ربه المليك الحاكم فيه وفى غيره، وإذا كان كذلك كان لله سبحانه أن يغفر لمن شاء منهم، ويعذب من شاء منهم من غير أن تمانعه مزية أو كرامة أو غير ذلك من أن يريد في شئ ما يريده من مغفرة أو عذاب أو يقطع سبيله قاطع أو يضرب دونه حجاب يحجبه عن نفوذ المشيئة ومضى الحكم.
فقوله: " بل أنتم بشر ممن خلق " بمنزلة إحدى مقدمات الحجة، وقوله: " ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما " مقدمة أخرى وقوله: " وإليه المصير " مقدمة ثالثة، وقوله: " يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء " بمنزلة نتيجة البيان التي تناقض دعواهم: أنه لا سبيل إلى تعذيبهم.
قوله تعالى: " يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل " قال الراغب: الفتور سكون بعد حدة، ولين بعد شدة، وضعف بعد قوة قال تعالى: