بالمسيح فهو إله وبشر بعينه، ويمكن تطبيق الجملة أعني قولهم: " إن الله هو المسيح ابن مريم " على القول بالبنوة وعلى القول بثالث ثلاثة أيضا غير أن ظاهر الجملة هو حصول العينية بالاتحاد.
قوله تعالى: " قل فمن يملك من الله شيئا إن أراد إن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن في الأرض جميعا " (الآية) هذا برهان على إبطال قولهم: من جهة مناقضة بعضه بعضا لانهم لما وضعوا أن المسيح مع كونه إلها بشر كما وصفوه بأنه ابن مريم جوزوا له ما يجوز على أي بشر مفروض من سكان هذه الأرض، وهم جميعا كسائر أجزاء السماوات والأرض وما بينهما مملوكون لله تعالى مسخرون تحت ملكه وسلطانه، فله تعالى أن يتصرف فيهم بما أراد، وأن يحكم لهم أو عليهم كيفما شاء، فله أن يهلك المسيح كما له أن يهلك أمه ومن في الأرض على حد سواء من غير مزية للمسيح على غيره، وكيف يجوز الهلاك على الله سبحانه؟! فوضعهم أن المسيح بشر يبطل وضعهم أنه هو الله سبحانه للمناقضة.
فقوله: " فمن يملك من الله شيئا " كناية عن نفى المانع مطلقا فملك شئ من الله هو السلطنة عليه تعالى في بعض ما يرجع إليه، ولازمها انقطاع سلطنته عن ذلك الشئ، وهو أن يكون سبب من الأسباب يستقل في التأثير في شئ بحيث يمانع تأثيره تعالى أو يغلب عليه فيه، ولا ملك إلا لله وحده لا شريك له إلا ما ملك غيره تمليكا لا يبطل ملكه وسلطانه.
وقوله: " إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن في الأرض جميعا " إنما قيد المسيح بقوله: " ابن مريم " للدلالة على كونه بشرا تاما واقعا تحت التأثير الربوبي كسائر البشر، ولذلك بعينه عطف عليه " امه " لكونها مسانخة له من دون ريب، وعطف عليه " من في الأرض جميعا " لكون الحكم في الجميع على حد سواء.
ومن هنا يظهر أن في هذا التقييد والعطف تلويحا إلى برهان الامكان، ومحصلة أن المسيح يماثل غيره من أفراد البشر كأمه وسائر من في الأرض فيجوز عليه ما يجوز عليهم لان حكم الأمثال فيما يجوز وفيما لا يجوز واحد، ويجوز على غيره أن يقع تحت حكم الهلاك فيجوز عليه ذلك ولا مانع هناك يمنع، ولو كان هو الله سبحانه لما جاز عليه ذلك.
وقوله: " ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما " في مقام التعليل للجملة السابقة