لا يهدى القوم الظالمين " (الجمعة: 5) فالآية أعني قوله: " يهدى به الله من اتبع رضوانه سبل السلام " تجرى بوجه مجرى قوله: " والذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الامن وهم مهتدون " (الانعام: 82).
قوله تعالى: " ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه " في جمع الظلمات وإفراد النور إشارة إلى أن طريق الحق لا اختلاف فيه ولا تفرق وإن تعددت بحسب المقامات والمواقف بخلاف طريق الباطل.
والاخراج من الظلمات إلى النور إذا نسب إلى غيره تعالى كنبي أو كتاب فمعنى إذنه تعالى فيه إجازته ورضاه كما قال تعالى: " كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم " (إبراهيم: 1) فقيد إخراجه إياهم من الظلمات إلى النور بإذن ربهم ليخرج بذلك عن الاستقلال في السببية فإن السبب الحقيقي لذلك هو الله سبحانه وقال: " ولقد أرسلنا موسى بآياتنا أن أخرج قومك من الظلمات إلى النور " (إبراهيم: 5) فلم يقيده بالاذن لاشتمال الامر على معناه.
وإذا نسب ذلك إلى الله تعالى فمعنى إخراجهم بإذنه إخراجهم بعلمه وقد جاء الاذن بمعنى العلم يقال: أذن به أي علم به، ومن هذا الباب قوله تعالى: " وأذان من الله ورسوله " (التوبة: 3): " فقل آذنتكم على سواء " (الأنبياء: 109)، وقوله: " وأذن في الناس بالحج " (الحج: 27) إلى غيرها من الآيات.
وأما قوله تعالى: " ويهديهم إلى صراط مستقيم " فقد أعيد فيه لفظ الهداية لحيلولة قوله: " ويخرجهم "، بين قوله " يهدى به الله "، وبين هذه الجملة ولان الصراط المستقيم كما تقدم بيانه في سورة الفاتحة طريق مهيمن على الطرق كلها فالهداية إليه أيضا هداية مهيمنة على سائر أقسام الهداية التي تتعلق بالسبل الجزئية.
ولا ينافي تنكير قوله: " صراط مستقيم " كون المراد به هو الصراط المستقيم الوحيد الذي نسبه الله تعالى في كلامه إلى نفسه - إلا في سورة الفاتحة - لان قرينة المقام تدل على ذلك، وإنما التنكير لتعظيم شأنه وتفخيم أمره.
قوله تعالى: " لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم " هؤلاء إحدى الطوائف الثلاثة التي تقدم نقل أقوالهم في سورة آل عمران، وهى القائلة باتحاد الله سبحانه