صراط مستقيم صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض ألا إلى الله تصير الأمور " (الشورى: 53) والآيات كما ترى تنسب الهداية إلى القرآن وإلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في عين أنها ترجعها إلى الله سبحانه فهو الهادي حقيقة وغيره سبب ظاهري مسخر لاحياء أمر الهداية.
وقد قيد تعالى قوله: " يهدى به الله " بقوله: " من اتبع رضوانه " ويؤول إلى اشتراط فعلية الهداية الإلهية باتباع رضوانه، فالمراد بالهداية هو الايصال إلى المطلوب، وهو أن يورده الله تعالى سبيلا من سبل السلام أو جميع السبل أو أكثرها واحدا بعد آخر.
وقد أطلق تعالى السلام فهو السلامة والتخلص من كل شقاء يختل به أمر سعادة الحياة في دنيا أو آخرة، فيوافق ما وصف القرآن الاسلام لله والايمان والتقوى بالفلاح والفوز والامن ونحو ذلك، وقد تقدم في الكلام على قوله تعالى: " اهدنا الصراط المستقيم " (الحمد: 6) في الجزء الأول من الكتاب أن الله سبحانه بحسب اختلاف حال السائرين من عباده سبلا كثيرة تتحد الجميع في طريق واحد منسوب إليه تعالى يسميه في كلامه بالصراط المستقيم قال تعالى: " والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين " (العنكبوت: 69)، وقال تعالى: " وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله " (الانعام: 153). فدل على أن له سبلا كثيرة لكن الجميع تتحد في الايصال إلى كرامته تعالى من غير أن تفرق سالكيها ويبين كل سبيل سالكيه عن سالكي غيره من السبل كما هو شأن غير صراطه تعالى من السبل.
فمعنى الآية - والله العالم -: يهدى الله سبحانه ويورد بسبب كتابه أو بسبب نبيه من اتبع رضاه سبلا من شأنها أنه يسلم من سار فيها من شقاء الحياة الدنيا والآخرة، وكل ما تتكدر به العيشة السعيدة.
فأمر الهداية إلى السلام والسعادة يدور مدار اتباع رضوان الله، وقد قال تعالى:
" ولا يرضى لعباده الكفر " (الزمر: 7)، وقال: " فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين " (التوبة: 96) ويتوقف بالآخرة على اجتناب سبيل الظلم والانخراط في سلك الظالمين، وقد نفى الله سبحانه عنهم هدايته وآيسهم من نيل هذه الكرامة الإلهية بقوله: " والله