غش ولا خداع ولا تغرير كما يقع ذلك كثيرا إلى غير ذلك من الأسباب.
وكل ذلك من باطل التجارة أباحته الشريعة مسامحة وتسهيلا لأهلها ولو لم يجوز ذلك في الدين بالاستثناء لما رغب أحد من أهله في التجارة واختل نظام المجتمع الديني انتهى ملخصا.
وفساده ظاهر مما قدمناه فإن الباطل على ما يعرفه أهل اللغة ما لا يترتب عليه أثره المطلوب منه وأثر البيع والتجارة تبدل المالين وتغير محل الملكين لرفع حاجة كل واحد من البيعين إلى مال الآخر بأن يحصل كل منهما على ما يرغب فيه وينال إربه بالمعادلة وذلك كما يحصل بالتعادل في القيمتين كذلك يحصل بمقابلة القليل الكثير إذا انضم إلى القليل شئ من رغبة الطالب أو رهبته أو مصلحة أخرى يعادل بانضمامها الكثير والكاشف عن جميع ذلك وقوع الرضا من الطرفين ومع وقوع التراضي لا تعد المبادلة باطلة البتة.
على أن المستأنس بأسلوب القرآن الكريم في بياناته لا يرتاب في أن من المحال أن يعد القرآن أمرا من الأمور باطلا ثم يأمر به ويهدي إليه وقد قال تعالى في وصفه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم: الأحقاف - 30 وكيف يهدي إلى الحق ما يهدي إلى الباطل؟
على أن لازم هذا التوجيه أن يهتدي الانسان اهتداء حقا فطريا إلى حاجته إلى المبادلة في الأموال ثم يهتدي اهتداء حقا فطريا إلى المبادلة بالموازنة ثم لا يكون ما يهتدي إليه وافيا لرفع حاجته حقا حتى ينضم إليه شئ من الباطل وكيف يمكن أن تهتدي الفطرة إلى أمر لا يكفي في رفع حاجتها ولا يفي إلا ببعض شأنها؟ وكيف يمكن أن تهتدي الفطرة إلى باطل وهل الفارق بين الحق والباطل في الأعمال إلا اهتداء الفطرة وعدم اهتدائها؟ فلا مفر لمن يجعل الاستثناء متصلا من أن يجعل قوله بالباطل قيدا توضيحيا.
وأعجب من هذا التوجيه ما نقل عن بعضهم أن النكتة في هذا الاستثناء المنقطع هي الإشارة إلى أن جميع ما في الدنيا من التجارة وما في معناها من قبيل الباطل لأنه لا ثبات له ولا بقاء فينبغي أن لا يشتغل به العاقل عن الاستعداد للدار الآخرة التي هي خير وأبقى انتهى.