الاكل معروف وهو إنفاد ما يمكن أن يتغذى به بالتقامه وبلعه مثلا ولما فيه من معنى التسلط والانفاد يقال أكلت النار الحطب شبه فيه إعدام النار الحطب بإحراقه بإنفاد الآكل الغذاء بالتناول والبلع ويقال أيضا أكل فلان المال أي تصرف فيه بالتسلط عليه وذلك بعناية أن العمدة في تصرف الانسان في الأشياء هو التغذي بها لأنه أشد ما يحتاج إليه الانسان في بقائه وأمسه منه ولذلك سمى التصرف أكلا لكن لا كل تصرف بل التصرف عن تسلط يقطع تسلط الغير على المال بالتملك ونحوه كأنه ينفده ببسط سلطته عليه والتصرف فيه كما ينفد الآكل الغذاء بالاكل.
والباطل من الافعال ما لا يشتمل على غرض صحيح عقلائي والتجارة هي التصرف في رأس المال طلبا للربح على ما ذكره الراغب في مفرداته قال وليس في كلامهم تاء بعدها جيم غير هذا اللفظ انتهى فتنطبق على المعاملة بالبيع والشرى.
وفي تقييد قوله لا تأكلوا أموالكم بقوله بينكم الدال على نوع تجمع منهم على المال ووقوعه في وسطهم إشعارا أو دلالة بكون الاكل المنهى عنه بنحو إدارته فيما بينهم ونقله من واحد إلى آخر بالتعاور والتداول فتفيد الجملة أعني قوله لا تأكلوا أموالكم بينكم بعد تقييدها بقوله بالباطل النهى عن المعاملات الناقلة التي لا تسوق المجتمع إلى سعادته ونجاحه بل تضرها وتجرها إلى الفساد والهلاك وهى المعاملات الباطلة في نظر الدين كالربا والقمار والبيوع الغررية كالبيع بالحصاة والنواة وما أشبه ذلك.
وعلى هذا فالاستثناء الواقع في قوله إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم استثناء منقطع جئ به لدفع الدخل فإنه لما نهى عن أكل المال بالباطل ونوع المعاملات الدائرة في المجتمع الفاسد التي يتحقق بها النقل والانتقال المالي كالربويات والغرريات والقمار وأضرابها باطلة بنظر الشرع كان من الجائز أن يتوهم أن ذلك يوجب انهدام أركان المجتمع وتلاشى أجزائها وفيه هلاك الناس فأجيب عن ذلك بذكر نوع معاملة في وسعها أن تنظم شتات المجتمع وتقيم صلبه وتحفظه على استقامته وهى التجارة عن تراض ومعاملة صحيحة رافعة لحاجة المجتمع وذلك نظير قوله تعالى يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم: الشعراء - 89 فإنه لما نفى النفع عن المال والبنين يوم القيامة أمكن أن يتوهم أن لا نجاح يومئذ ولا فلاح فإن معظم ما ينتفع به الانسان إنما هو المال والبنون فإذا سقطا عن التأثير لم يبق إلا اليأس والخيبة فأجيب أن هناك