أحكام الأعمال في الجزء الثاني من هذا الكتاب.
الناس يتسلمون في الجملة أن الانسان إنما يجنى ثمر عمله وأن المحسن الخير من الناس يسعد في حياته والظلوم الشرير لا يلبث دون أن يذوق وبال عمله وفي القرآن الكريم آيات تدل على ذلك باطلاقها كقوله تعالى من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها: حم السجدة - 46 وقوله فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره: الزلزال - 8 وكذا قوله تعالى قال أنا يوسف وهذا أخي قد من الله علينا إنه من يتق ويصبر فان الله لا يضيع أجر المحسنين: يوسف - 90 وقوله له في الدنيا خزى: الحج - 9 وقوله وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم الآية: الشورى - 30 إلى غير ذلك من الآيات الدالة على أن الخير والشر من العمل له نوع انعكاس وارتداد إلى عامله في الدنيا.
والسابق إلى أذهاننا المأنوسة بالأفكار التجربية الدائرة في المجتمع من هذه الآيات أن هذا الانعكاس إنما هو من عمل الانسان إلى نفسه إلا أن هناك آيات دالة على أن الامر أوسع من ذلك وأن عمل الانسان خيرا أو شرا ربما عاد إليه في ذريته وأعقابه قال تعالى وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحا فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك:
الكهف - 82 فظاهر الآية أن لصلاح أبيهما دخلا فيما أراده الله رحمة بهما وقال تعالى وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم الآية.
وعلى هذا فأمر إنعكاس العمل أوسع وأعم والنعمة أو المصيبة ربما تحلان بالانسان بما كسبت يدا شخصه أو أيدي آبائه.
والتدبر في كلامه تعالى يهدى إلى حقيقة السبب في ذلك فقد تقدم في الكلام على الدعاء في الجزء الثاني من هذا الكتاب في قوله تعالى وإذا سألك عبادي عنى:
البقرة - 186 دلالة كلامه تعالى على أن جميع ما يحل الانسان من جانبه تعالى إنما هو لمسألة سألها ربه وأن ما مهده من مقدمة وداخله من الأسباب سؤال منه لما ينتهى إليه من الحوادث والمسببات قال تعالى يسأله من في السماوات والأرض كل يوم هو في شأن: الرحمن - 29 وقال تعالى وآتاكم من كل ما سألتموه وإن تعدوا نعمة