من نصف قرن على مشارق الأرض ومغاربها وحول التاريخ تحويلا جوهريا يشاهد آثاره الهامة إلى يومنا وستدوم ثم تدوم.
ولا يستطيع أن يستنكف الأبحاث الاجتماعية والنفسية في التاريخ النظري عن الاعتراف بأن المنشأ القريب والعامل التام للتحول المعاصر المشهود في الدنيا هو ظهور السنة الاسلامية وطلوعها ولم يهمل جل الباحثين من أوربا استيفاء البحث عن تأثيرها في جامعة الانسان إلا لعصبية دينية أو علل سياسية وكيف يسع لباحث خبير لو أنصف النظر أن يسمي النهضة المدنية الحديثة نهضة مسيحية ويعد المسيح عليه السلام قائدها وحامل لوائها والمسيح يصرح (1) بأنه إنما يهتم بأمر الروح ولا يشتغل بأمر الجسم ولا يتعرض لشأن الدولة والسياسة؟ وهو ذا الاسلام يدعو إلى الاجتماع والتألف ويتصرف في جميع شؤون المجتمع الانساني وأفراده من غير استثناء فهل هذا الصفح والاغماض منهم إلا لاطفاء نور الاسلام (ويأبى الله إلا أن يتم نوره) وإخماد ناره عن القلوب بغيا وعدوا حتى يعود جنسية لا أثر لها إلا أثر الأنسال المنشعبة.
وبالجملة قد أثبت الاسلام صلوحه لهداية الناس إلى سعادتهم وطيب حياتهم وما هذا شأنه لا يسمى فرضية غير قابلة الانطباق على الحياة الانسانية ولا مأيوسا من ولاية أمر الدنيا يوما (مع كون مقصده سعادة الانسان الحقيقية) وقد تقدم في تفسير قوله كان الناس أمة واحدة: البقرة - 213 أن البحث العميق في أحوال الموجودات الكونية يؤدي إلى أن النوع الانساني سيبلغ غايته وينال بغيته وهي كمال ظهور الاسلام بحقيقته في الدنيا وتوليه التام أمر المجتمع الانساني وقد وعده الله تعالى طبق هذه النظرية في كتابه العزيز قال فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون في الله لومة لائم: المائدة - 54 وقال وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا الآية: النور - 55 وقال أن الأرض يرثها عبادي الصالحون الأنبياء - 105 إلى غير ذلك من الآيات.