وأكثرهم للحق كارهون ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن بل أتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون: المؤمنون - 71 ولقد صدق جريان الحوادث وتراكم الفساد يوما فيوما ما بينه تعالى في هذه الآية وقال تعالى فماذا بعد الحق إلا الضلال فأنى تصرفون: يونس - 32 والآيات في هذا المعنى وما يقرب منه كثيرة جدا وإن شئت زيادة تبصر فيه فراجع سورة يونس فقد كرر فيه ذكر الحق بضعا وعشرين مرة.
و أما قولهم إن اتباع الأكثر سنة جارية في الطبيعة فلا ريب أن الطبيعة تتبع الأكثر في آثارها إلا أنها ليست بحيث تبطل أو تعارض وجوب اتباع الحق فإنها نفسها بعض مصاديق الحق فكيف تبطل نفسها توضيح ذلك يحتاج إلى بيان أمور أحدها أن الأمور الخارجية التي هي أصول عقائد الانسان العلمية والعملية تتبع في تكونها وأقسام تحولها نظام العلية والمعلولية وهو نظام دائم ثابت لا يقبل الاستثناء أطبق على ذلك المحصلون من أهل العلم والنظر وشهد به القرآن على ما مر (1) فالجريان الخارجي لا يتخلف عن الدوام والثبات حتى أن الحوادث الأكثرية الوقوع التي هي قياسية هي في أنها أكثرية دائمة ثابتة، مثلا النار التي تفعل السخونة غالبا بالقياس إلى جميع مواردها " سخونتها الغالبية " أثر دائم لها وهكذا وهذا هو الحق.
والثاني أن الانسان بحسب الفطرة يتبع ما وجده أمرا واقعيا خارجيا بنحو فهو يتبع الحق بحسب الفطرة حتى أن من ينكر وجود العلم الجازم إذا القي إليه قول لا يجد من نفسه التردد فيه خضع له بالقبول.
والثالث: أن الحق كما عرفت هو الامر الخارجي الذي يخضع له الانسان في اعتقاده أو يتبعه في عمله وأما نظر الانسان وإدراكه فإنما هو وسيلة يتوسل بها إليه كالمرآة بالنسبة إلى المرئي.
إذا عرفت هذه الأمور تبين لك أن الحقية وهي دوام الوقوع أو أكثرية الوقوع