الامتنان بتعليم شرائع الدين ومسائل الحلال والحرام.
وما قيل: إن قوله: واتقوا الله ويعلمكم الله يدل على أن التقوى سبب للتعليم الإلهي، فيه أنه وان كان حقا يدل عليه الكتاب والسنة، لكن هذه الآية بمعزل عن الدلالة عليه لمكان واو العطف، على أن هذا المعنى لا يلائم سياق الآية وارتباط ذيلها بصدرها.
ويؤيد ما ذكرنا تكرار لفظ الجلالة ثانيا فإنه لو لاكون قوله ويعلمكم الله، كلاما مستأنفا كان مقتضى السياق ان يقال: يعلمكم بإضمار الفاعل، ففي قوله تعالى:
واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شئ عليم، أظهر الاسم أولا وثانيا لوقوعه في كلامين مستقلين، وأظهر ثالثا ليدل به على التعليل، كأنه قيل: هو بكل شئ عليم لأنه الله.
واعلم: ان الآيتين تدلان على ما يقرب من عشرين حكما من أصول أحكام الدين والرهن وغيرهما، والاخبار فيها وفيما يتعلق بها كثيرة لكن البحث عنها راجع إلى الفقه، ولذلك آثرنا الاغماض عن ذلك فمن أراد البحث عنها فعليه بمظانه من الفقه.
* * * لله ما في السماوات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شئ قدير - 284.
(بيان) قوله تعالى: لله ما في السماوات وما في الأرض، كلام يدل على ملكه تعالى لعالم الخلق مما في السماوات والأرض، وهو توطئة لقوله بعده: وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله، أي إن له ما في السماوات والأرض ومن جملتها أنتم وأعمالكم وما اكتسبتها نفوسكم، فهو محيط بكم مهيمن على أعمالكم لا يتفاوت عنده كون أعمالكم بادية ظاهرة، أو خافية مستورة فيحاسبكم عليها.
وربما استظهر من الآية: كون السماء مسانخا لأعمال القلوب وصفات النفس فما في النفوس هو مما في السماوات، ولله ما في السماوات كما أن ما في النفوس إذا أبدي بعمل الجوارح كان مما في الأرض، ولله ما في الأرض فما انطوى في النفوس سواء أبدى أو أظهر مملوك لله محاط له سيتصرف فيه بالمحاسبة.