ثم قال ما محصله: انهما لما كانا من نعم الله تعالى من جهة هذه الحكم المترتبة عليهما كان من عمل فيهما بعمل ينافي الحكم المقصودة منهما فقد كفر بنعمة الله.
وفرع على ذلك حرمة كنزهما فإنه ظلم وابطال لحكمتهما، إذ كنزهما كحبس الحاكم بين الناس في سجن ومنعه عن الحكم بين الناس والقاء الهرج بين الناس من غير وجود من يرجعون إليه بالعدل.
وفرع عليه حرمة اتخاذ آنية الذهب والفضة فإن فيه قصدهما بالاستقلال وهما مقصودان لغيرهما، وذلك ظلم كمن اتخذ حاكم البلد في الحياكة والمكس والأعمال التي يقوم بها أخساء الناس.
وفرع عليه أيضا حرمة معاملة الربا على الدراهم والدنانير فإنه كفر بالنعمة وظلم، فعنهما خلقا لغيرهما لأنفسهما، إذ لا غرض يتعلق بأعيانهما.
وقد اشتبه عليه الامر في اعتبار أصلهما والفروع التي فرعها على ذلك: اما أولا: فإنه ذكر ان لا غرض يتعلق بهما في أنفسهما، ولو كان كذلك لم يمكن أن يقدرا غيرهما من الأمتعة والحوائج، وكيف يجوز أن يقدر شئ شيئا بما ليس فيه؟ وهل يمكن ان يقدر الذراع طول شئ الا بالطول الذي له؟ أو يقدر المن ثقل شئ الا بثقله الذي فيه؟
على أن اعترافه بكونهما عزيزين في نفسهما لا يستقيم الا بكونهما مقصودين لأنفسهما، وكيف يتصور عزة وكرامة من غير مطلوبي.
على أنها لو لم يكونا إلا مقصودين لغيرهما بالخلقة لم يكن فرق بين الدينار والدرهم أعني الذهب والفضة في الاعتبار، والواقع يكذب ذلك، ولكان جميع أنواع النقود متساوية القيم، ولم يقع الاعتبار على غيرهما من الأمتعة كالجلد والملح وغيرهما.
واما ثانيا: فلان الحكمة المقتضية لحرمة الكنز ليس هي إعطاء المقصودية بالاستقلال لهما، بل ما يظهر من قوله تعالى: " والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله الآية " التوبة - 34، من تحريم الفقراء عن الارتزاق بهما مع قيام الحاجة إلى العمل والمبادلة دائما كما سيجئ بيان ذلك في تفسير الآية.
واما ثالثا: فلان ما ذكره من الوجه في تحريم اتخاذ آنية الذهب والفضة وكونه ظلما وكفرا موجود في اتخاذ الحلي منهما، وكذا في بيع الصرف، ولم يعدا في الشرع ظلما وكفرا ولا حراما.