ظهر فيه ناس على ناس، وطائفة على طائفة، وحكومة على حكومة، وأمة على أمة، وظاهر ان سعادة الانسان كما يجب ان يعتنى بشأنها من حيث الفرد يجب الاعتناء بأمرها من حيث النوع المجتمع.
والقرآن ليس يتكلم عن الفرد ولا في الفرد وإن لم يسكت عنه، بل هو كتاب أنزله الله تعالى قيما على سعادة الانسان: نوعه وفرده، ومهيمنا على سعادة الدنيا:
حاضرها وغابرها.
فقوله تعالى يمحق الله الربا ويربي الصدقات يبين حال الربا والصدقة في أثرهما سواء كانا نوعيين أو فرديين، والمحق من لوازم الربا لا ينفك عنه كما أن الارباء من لوازم الصدقة لا ينفك عنها، فالربا ممحوق وإن سمي ربا والصدقة ربا رابية وان لم تسم ربا، وإلى ذلك يشير تعالى: يمحق الله الربا ويربي الصدقات بإعطاء وصف الربا للصدقات بأقسامها، وتوصيف الربا بوصف يضاد اسمه بحسب المعنى وهو الانمحاق.
وبما مر من البيان يظهر ضعف ما ذكره بعضهم: ان محق الربا ليس بمعنى ابطال السعي وخسران العمل بذهاب المال الربوي، فإن المشاهدة والعيان يكذبه، وانما المراد بالمحق إبطال السعي من حيث الغايات المقصودة بهذا النوع من المعاملة، فإن المرابي يقصد بجمع المال من هذا السبيل لذة اليسر وطيب الحياة وهناء العيش، لكن يشغله عن ذلك الوله بجمع المال ووضع درهم على درهم، ومبارزة من يريد به أو بماله أو بأرباحه سوءا، والهموم المتهاجمة على نفسه من عداوة الناس وبغض المعوزين له، ووجه ضعفه ظاهر.
وكذا ما ذكره آخرون: ان المراد به محق الآخرة وثواب الأعمال التي يعرض عنها المرابي باشتغاله بالربا، أو التي يبطلها التصرف في مال الربا كأنواع العبادات، وجه الضعف: انه لا شك ان ما ذكروه من المحق لكنه لا دليل على انحصاره في ذلك.
وكذا ضعف ما استدل به المعتزلة على خلود مرتكب الكبيرة في النار بقوله تعالى: ومن عاد " الخ "، وقد مر ما يظهر به تقرير الاستدلال والدفع جميعا.
قوله تعالى: إن الله لا يحب كل كفار أثيم، تعليل لمحق الربا بوجه كلي، والمعنى ان آكل الربا كثير الكفر لكفره بنعم كثيرة من نعم الله لستره على الطرق الفطرية في الحياة الانسانية، وهي طرق المعاملات الفطرية، وكفره بأحكام كثيرة في العبادات