قوله تعالى: فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله، تفريع على قوله: وأحل الله البيع " الخ "، والكلام غير مقيد بالربا، فهو حكم كلي وضع في مورد جزئي للدلالة على كونه مصداقا من مصاديقه يلحقه حكمه، والمعنى:
ان ما ذكرناه لكم في أمر الربا موعظة جائتكم من ربكم ومن جائه موعظة " الخ " فان انتهيتم فلكم ما سلف وأمركم إلى الله.
ومن هنا يظهر: ان المراد من مجئ الموعظة بلوغ الحكم الذي شرعه الله تعالى، ومن الانتهاء التوبة وترك الفعل المنهي عنه انتهاءا عن نهيه تعالى: ومن كون ما سلف لهم عدم انعطاف الحكم وشموله لما قبل زمان بلوغه، ومن قوله: فله ما سلف وأمره إلى الله، انه لا يتحتم عليهم العذاب الخالد الذي يدل عليه قوله: ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون، فهم منتفعون فيما أسلفوا بالتخلص من هذه المهلكة، ويبقى عليهم: ان أمرهم إلى الله فربما اطلقهم في بعض الأحكام، وربما وضع عليهم ما يتدارك به ما فوتوه.
واعلم: ان أمر الآية عجيب، فان قوله: فمن جائه موعظة إلى آخر الآية مع ما يشتمل عليه من التسهيل والتشديد حكم غير خاص بالربا، بل عام يشمل جميع الكبائر الموبقة، والقوم قد قصروا في البحث عن معناها حيث اقتصروا بالبحث عن مورد الربا خاصة من حيث العفو عما سلف منه، ورجوع الامر إلى الله فيمن انتهى، وخلود العذاب لمن عاد إليه بعد مجئ الموعظة، هذا كله مع ما تراه من العموم في الآية.
إذا علمت هذا ظهر لك: ان قوله: فله ما سلف وأمره إلى الله لا يفيد الا معنى مبهما يتعين بتعين المعصية التي جاء فيها الموعظة ويختلف باختلافها، فالمعنى: ان من انتهى عن موعظة جائته فالذي تقدم منه من المعصية سواء كان في حقوق الله أو في حقوق الناس فإنه لا يؤاخذ بعينها لكنه لا يوجب تخلصه من تبعاته أيضا كما تخلص من أصله من حيث صدوره، بل أمره فيه إلى الله، ان شاء وضع فيها تبعة كقضاء الصلاة الفائتة والصوم المنقوض وموارد الحدود والتعزيرات ورد المال المحفوظ المأخوذ غصبا أو ربا وغير ذلك مع العفو عن أصل الجرائم بالتوبة والانتهاء، وان شاء عفى عن الذنب ولم يضع عليه تبعة بعد التوبة كالمشرك إذا تاب عن شركه ومن عصى بنحو شرب