الوضعية فإنه تعالى أجل شأنا وأنزه ساحة أن يتجهز بالتجهيزات الجسمانية، أو يستكمل بالدعاوي الوهمية الاعتبارية وقد قال تعالى: " ليس كمثله شئ " الشورى - 11.
لكنه سبحانه فيما مر من قوله: " وما كان لبشر ان يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب " الشورى - 51، يثبت لشأنه وفعله المذكور حقيقة التكليم وان نفى عنه المعنى العادي المعهود بين الناس، فالكلام بحده الاعتباري المعهود مسلوب عن الكلام الإلهي لكنه بخواصه وآثاره ثابت له، ومع بقاء الأثر والغاية يبقى المحدود في الأمور الاعتبارية الدائرة في اجتماع الانسان نظير الذرع والميزان والمكيال والسراج والسلاح ونحو ذلك، وقد تقدم بيانه.
فقد: ظهر أن ما يكشف به الله سبحانه عن معنى مقصود إفهامه للنبي كلام حقيقة، وهو سبحانه وإن بين لنا اجمالا انه كلام حقيقة على غير الصفة التي نعدها من الكلام الذي نستعمله، لكنه تعالى لم يبين لنا ولا نحن تنبهنا من كلامه ان هذا الذي يسميه كلاما يكلم به أنبيائه ما حقيقته؟ وكيف يتحقق؟ غير أنه على أي حال لا يسلب عنه خواص الكلام المعهود عندنا ويثبت عليه آثاره وهي تفهيم المعاني المقصودة والقائها في ذهن السامع.
وعلى هذا فالكلام منه تعالى كالاحياء والإماتة والرزق والهداية والتوبة وغيرها فعل من أفعاله تعالى يحتاج في تحققه إلى تمامية الذات قبله لا كمثل العلم والقدرة والحياة مما لا تمام للذات الواجبة بدونه من الصفات التي هي عين الذات، كيف ولافرق بينه وبين سائر أفعاله التي تصدر عنه بعد فرض تمام الذات! وربما قبل الانطباق على الزمان قال تعالى: " ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني " الأعراف - 143، وقال تعالى " وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا " مريم - 9، وقال تعالى: " فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم " البقرة - 243، وقال تعالى: " نحن نرزقكم وإياهم " الانعام - 151، وقال تعالى: " الذي أعطى كل شئ خلقه ثم هدى " طه - 50، وقال تعالى: " ثم تاب عليهم ليتوبوا " التوبة - 118، فالآيات كما ترى تفيد زمانية الكلام كما تفيد زمانية غيره من الافعال كالخلق والإماتة والاحياء والرزق والهداية والتوبة على حد سواء.